حادثة صباح الاثنين في ولاية جهة مراكش-آسفي لم تكن مجرد انفلات عاطفي لسيدة يائسة، بل كانت صرخة صامتة تختزل عجز السياسات العمومية أمام امتحان زلزال الحوز.
امرأة تحمل قنينتي بنزين وتحاول إحراق نفسها لأنها لم تجد اسمها ضمن لوائح المستفيدين من الدعم، صورة قاسية تختزل كل الفجوة بين أرقام تُعلن في المنابر الرسمية وواقع يُعاش في القرى المنكوبة.
كشفت مصادر إعلامية أن نسب إعادة البناء بلغت 91% في إقليم الحوز، و85% في مراكش، و76% في تارودانت، فيما استفادت 56 ألف أسرة من مساعدات إعادة البناء، و63,800 أسرة من دعم مالي شهري.
لكن، في المقابل، تنتشر مقاطع فيديو لرجال ونساء وأطفال لا يزالون ينامون في خيام مهترئة، ويقتسمون معاناة البرد والحرمان. أين تلتقي إذن هذه الأرقام الرسمية مع الحقائق الميدانية؟ وأي معنى لـ”91%” إذا كان فرد واحد يضطر إلى تهديد حياته بالنار ليُسمع صوته؟
المعضلة لا تكمن في حجم التمويل ولا في سرعة الأشغال فقط، بل في فلسفة التدبير نفسها: هل نحن أمام سياسة عمومية تُبنى على العدالة المجالية، أم أمام عملية إحصاء بيروقراطية أفرزت لوائح ناقصة ومساعدات غير متكافئة؟ وإذا كان الخطاب الرسمي يفتخر بنسبة الإنجاز، فإن الواقع يفرض سؤالًا مؤلمًا: من يحاسب على الهامش الذي بقي خارج الحسابات؟
إن احتجاجات ما بعد الزلزال لم تكن كلها عنيفة، لكنها كانت متواصلة، صبورة، وصاخبة في صمتها.
سكان مناطق نائية خرجوا أكثر من مرة ليقولوا إنهم لم يتوصلوا بشيء، وأن الخيام المؤقتة تحولت إلى إقامة دائمة.
ومع ذلك، ظل الخطاب السياسي أسير لغة الأرقام، مفضلًا سرد نسب التقدم بدل مواجهة سؤال العدالة: لماذا استفاد البعض وحُرم آخرون؟
اليوم، بعد مرور سنتين على الكارثة، يظهر أن ملف إعادة الإعمار تجاوز كونه مجرد ورش عمراني، ليصبح اختبارًا حقيقيًا لصدقية الدولة في علاقتها بالمواطن.
لا يتعلق الأمر بالخرسانة والإسمنت فقط، بل بشرعية سياسية تهتز حينما يكتشف المواطن أن الحق في الدعم لا يُوزع وفق معيار الحاجة، بل وفق منطق آخر، غامض، غير شفاف.
إن محاولة السيدة إحراق نفسها ليست حادثة معزولة، بل مؤشر على أزمة أعمق: أزمة ثقة بين المواطن والمؤسسات.
والجواب عنها لا يكون بالبيانات الصحفية ولا بالبلاغات المطمئنة، بل بسياسات واضحة، شفافة، تخضع للمحاسبة والمراقبة. فالأرقام الرسمية مهما كانت براقة، تفقد معناها عندما يقفز الواقع ليكذّبها، ويضع الدولة أمام المرآة القاسية للحقائق الميدانية.