لم تكن وفاة رضيعة حديثة الولادة في مستشفى عبد الرحيم الهاروشي بالدار البيضاء مجرد حادثة طبية عابرة، بل فضيحة سياسية وأخلاقية تكشف ما هو أعمق من عطب في جهاز تنفّس أو غياب حاضنة اصطناعية.
إنها شهادة موت مُوقعة باسم منظومة بأكملها، اختارت أن تصرف الملايير في ملاعب المونديال، وأن تترك أطفال الفقراء يواجهون مصيرهم في أقسام باردة بلا تجهيزات.
النائبة البرلمانية نجوى كوكوس وضعت الوزير أمين التهراوي أمام سؤال مباشر: ما هي التدابير المستعجلة لتوفير الحاضنات حتى لا يتكرر هذا السيناريو الكارثي؟ لكن السؤال الحقيقي يتجاوز الوزير نفسه: كيف يمكن لمدينة يفوق سكانها سبعة ملايين نسمة، بينهم مليونا طفل، أن تكتفي بمصلحة جراحة أطفال فيها طبيب واحد في الحراسة الليلية؟ وكيف تتحول مستشفى وُجد أصلاً لحماية الطفولة إلى رمز للإهمال وسوء المعاملة وهروب الكفاءات؟
الجواب مرّ: لأن الصحة العمومية لم تكن يوماً أولوية في مغرب الصفقات الكبرى.
المشاريع تُسوَّق على شاشات التلفزيون بعبارات براقة: “المغرب الأخضر”، “المغرب الأزرق”، “المغرب الرقمي”، واليوم “المغرب المونديالي”.
لكن المغرب الصحي لا وجود له إلا في طوابير الانتظار الطويلة، وفي نداءات استغاثة تُطلقها الأمهات داخل أروقة المستشفيات.
والمفارقة الصادمة أن الوزير نفسه سارع إلى التدخل هاتفياً لنقل رضيعة من أكادير بعد أن صارت صورتها في الشارع أيقونة احتجاج.
فهل أصبح الحق في العلاج رهيناً بالبوز والضغط الشعبي؟ هل يلزم كل مواطن أن يحمل لافتة في مظاهرة أو يصرخ أمام كاميرات الصحافة كي يتحرك الوزير؟
إنها سياسة تسوّق للأوهام وتدفن الحقائق. تقرير المجلس الأعلى للحسابات نفسه كشف قبل سنوات أن نسبة كبيرة من المعدات الطبية في المستشفيات إما معطلة أو بلا صيانة، وأن المليارات تصرف في اقتناء أجهزة تبقى في المخازن بسبب غياب موارد بشرية لتشغيلها.
ومع ذلك، لا أحد يحاسب، ولا أحد يفتح ملفات الصفقات التي تتحول فيها الصحة إلى بورصة ربح.
في النهاية، مأساة الرضيعة في الهاروشي ليست سوى عنوان صغير على كتاب أكبر عنوانه: دولة تستثمر في الواجهة وتترك الأساس يتصدع.
الملاعب تبنى بمليارات، الطرق تُرصّف بسرعة البرق، بينما الحاضنة التي تعني الفرق بين حياة وموت تبقى سلعة نادرة.
السؤال إذن لم يعد: أين الحاضنة؟ بل: أين الدولة حين يسقط الحق في الحياة في أول اختبار؟