الحوار الذي بثته القناتان العموميتان مع رئيس الحكومة لم يكن مساءلة سياسية حقيقية، بل بدا كعرض إعلاني طويل مُموَّل من المال العام، حيث ظهر عزيز أخنوش كمدير شركة يعرض أرقاماً وإحصاءات على المساهمين بدل أن يكون رجل سياسة يواجه أسئلة المواطنين.
منذ البداية قدّم حكومته على أنها “حكومة الأفعال”، لكن الواقع الذي يعيشه المواطن يكشف العكس: غلاء متصاعد، عطش في القرى، وخدمات اجتماعية مترهلة.
في التعليم، تباهى بـ”7600 مدرسة ريادة”، وكأن طلاء الجدران يغطي المشاكل العميقة. غير أن الأقسام ما تزال مكتظة، والتعيينات عشوائية، والاحتقان مستمر.
في الصحة، تحدث عن “1400 مركز صحي” و”1200 طبيب اختصاصي”، لكن المستشفيات تظل فارغة من الأطر والأدوية. هل يكفي بناء الجدران إذا كان المواطن لا يجد طبيباً ولا دواءً؟
في الماء، دافع عن صفقة محطة التحلية في الدار البيضاء بكلفة مليار دولار واعتبرها “من أحسن الصفقات في العالم”، لكنه لم يوضح من سيدفع الفاتورة النهائية: المواطن البسيط أم الفلاحة التصديرية التي تستنزف المياه بينما قرى بكاملها تعيش العطش؟
في التضخم، أعلن أن المعدل انخفض إلى 1%. لكن السوق يكذّب هذه الأرقام: الطماطم بعشرة دراهم، واللحم بمئة، والدجاج خارج متناول أغلب الأسر. التضخم انخفض على الورق، أما في الجيب فقد ارتفع.
في التشغيل، وعد بمليون منصب وتحدث عن 600 ألف منصب محدث، لكنه اعترف في نفس الوقت بأن “الهدم في القطاع الفلاحي” ألغى آلاف الفرص. هل هذه حصيلة حقيقية أم مجرد لعبة أرقام؟
في ملف التقاعد، لم يقدّم إصلاحاً بل مجرد ترحيل للأزمة من 2028 إلى 2031، وكأن تأجيل الانفجار إنجاز يُسجَّل في الحصيلة.
أما الحوار الاجتماعي، فقد استعرض زيادات للأجور وتسويات للمتعاقدين، لكنها بدت أقرب إلى شراء هدوء مؤقت قبل الانتخابات المقبلة.
الصحافيون الذين جلسوا أمامه لم يمارسوا دورهم الطبيعي، بل اكتفوا بطرح أسئلة رخوة بلا متابعة ولا إصرار. لم يحاصروه بتفاصيل الغلاء، ولا بأزمة الماء، ولا بغياب الأطباء. وهكذا تحوّل الحوار إلى مسرحية اتصالية، فيما ظل المواطن يتساءل: أين الطبيب؟ أين الخبز الرخيص؟ أين الماء؟
الحصيلة التي قدّمها رئيس الحكومة هي حصيلة أرقام تلمع على الشاشة، أما الحصيلة التي يعيشها المواطن فهي حصيلة أوهام تثقل كاهله كل يوم.