أعاد النقاش البرلماني حول صادرات زيت الزيتون تسليط الضوء على مفارقة صارخة. بلد يملك أزيد من مليون هكتار من أشجار الزيتون، ويستثمر مليارات الدراهم في برامج استراتيجية، لكنه يجد نفسه أمام سوق داخلية متوترة وأسعار تثقل كاهل المواطن.
معرضُ جواب وزير الفلاحة أحمد البواري على سؤالين برلمانيين للنائب أحمد العبادي والنائبة لبنى الصغير كشف عن هذه المفارقة بوضوح. الوزير أقرّ بانخفاض الإنتاج بنسبة 11% مقارنة بالموسم الماضي، وبـ33% قياساً بمتوسط المواسم الأخيرة، واعترف بأن الكميات المصدَّرة ليست مخصصة للاستهلاك المباشر وأن جزءاً منها زيت بكر ممتاز لا يلقى طلباً داخلياً.
لكن خلف هذا الاعتراف تطفو أسئلة محرجة.
هل عزوف المغاربة عن الزيت الممتاز مرتبط بذوقهم فعلاً، أم بضعف قدرتهم الشرائية بعدما تجاوز سعر اللتر حاجز المائة درهم؟ وكيف يُعقل أن يُصدَّر أجود المنتوج بينما المواطن يواجه الغلاء في بلاده؟
الأدهى من ذلك أن الوزير برّر استمرار التصدير بالعقود المسبقة مع المستوردين. هنا يصبح قوت المغاربة رهينة التزامات تجارية خارجية.
فهل الأولوية لعقود الخارج أم لمعاش الداخل؟
الأرقام التي استعرضها البواري لامعة: 1,23 مليون هكتار من المساحات المزروعة. 17 مليار درهم كميزانية لعقد-برنامج الجيل الأخضر. اتفاقيات تفضيلية مع الاتحاد الأوروبي وتونس ومصر والأردن. لكن كل هذه الأرقام لا تغيّر واقع السوق حيث يبقى الزيت غالياً، ويستمر المواطن في دفع فاتورة السياسات الفلاحية الموجهة أكثر نحو الخارج.
الخطاب الرسمي يتحدث عن رفع الإنتاج إلى 3,5 مليون طن بحلول 2030. لكن الواقع يكشف جفافاً يضرب مناطق بأكملها. حرارة خانقة في مواسم الإزهار. عجزاً في التساقطات تجاوز 50%. النتيجة إنتاج أقل وأسعار أعلى وتبريرات جاهزة تحت قبة البرلمان.
وليس هذا جديداً. فقد سبق لمخطط المغرب الأخضر أن وعد بالمعجزات. مليارات صُرفت. وعود تكررت. واليوم يتكرر نفس السيناريو باسم “الجيل الأخضر”. الوعود تتغير. الأثمان ترتفع. القدرة الشرائية تنهار. الفلاح الصغير خارج الصورة. والمستهلك آخر من يُستشار.
الحلقة الأضعف في هذه السلسلة تبقى هي المواطن. الحكومة تتحدث عن الصادرات والواردات والاتفاقيات.
بينما المواطن لا يرى سوى الفاتورة النهائية عند البقال. زيت يُنتج في بلاده. يُصدَّر بجودته. يُستورد ببدائله. وفي النهاية، المستهلك هو الخاسر الأكبر.
الزيتون في الخطاب الرسمي سلسلة استراتيجية. وفي السوق مرآة لفجوة عميقة بين لغة الأرقام وصرخة السوق.
والمغربي لم يعد ينتظر خطط 2030. بل ينتظر جواباً بسيطاً: متى يعود لتر زيت الزيتون إلى متناول مائدته؟