فضيحة إعفاء عامل إنزكان لم تكن سوى الشجرة التي تخفي وراءها غابة من التفويتات العقارية. لسنوات طويلة، أزيد من 15 سنة، جرى تحويل مئات البقع الأرضية التي خُصصت لبناء مدارس عمومية إلى مشاريع خاصة بملايين الدراهم.
المصادر التي تحدثت لـنيشان تكشف أن العملية لم تكن معزولة ولا عفوية، بل مرت عبر مساطر رسمية، تحت مبرر واحد يتكرر في كل قرار: “انتفاء الحاجة إلى العقار”.
عبارة إدارية بسيطة تحوّل وعاءً عقارياً ثميناً إلى غنيمة في يد الخواص، بينما الواقع يصرخ: أقسام تضم 54 تلميذاً في حجرة واحدة، وخصاص مهول في المؤسسات العمومية. فأي “انتفاء للحاجة” هذا؟
المثير أن هذه الأراضي لم تضِع في الفراغ، بل أُعيدت صياغتها في شكل مدارس خصوصية ومشاريع تجارية مربحة. وكأن السياسة التعليمية كانت تعيد هندسة الخريطة المدرسية لصالح التعليم الخصوصي على حساب المدرسة العمومية.
النتيجة واضحة: أبناء الشعب يكدسون فوق بعضهم في حجرات مكتظة، فيما أبناء “المحظوظين” يدرسون في مؤسسات بنيت فوق أراضي عمومية فُرط فيها.
إعفاء عامل واحد يبدو مجرد ورقة صغيرة لإغلاق ملف ثقيل. فالمسؤولية لم تكن فردية، بل شبكة من القرارات الرسمية التي منحت الضوء الأخضر لتبديد رصيد عقاري استراتيجي كان يجب أن يُصرف في خدمة المدرسة العمومية.
أسئلة معلقة ما زالت تطارد هذا الملف: من وقّع؟ من صادق؟ ومن استفاد؟
الأخطر أن هذا التفويت جرى أحياناً باستغلال انتهاء صلاحية تصاميم التهيئة، أي أن الأمر لم يكن “خطأ إدارياً” بل آلية ممنهجة للتفريط في وعاء تعليمي.
الجمعيات المدنية نبّهت، وقدّمت شكايات، لكن الملفات بقيت نائمة، وكأن هناك إرادة في ترك هذا النزيف مستمراً.
الخريطة المدرسية اليوم تحمل آثار هذه السياسة: أقسام مكتظة، مدارس عمومية منهكة، وحلم التعليم العمومي الجيد يتبخر. أما الأراضي التي كان يُفترض أن تحتضن مدارس لأبناء المغاربة، فقد تحولت إلى استثمارات خاصة بأختام رسمية.
الرسالة التي يقرأها المواطن بسيطة وصادمة: حين تُباع أرض المدرسة، فالمباع ليس عقاراً فقط، بل مستقبل أمة كاملة.