عاد ملف المراجعة الضريبية للأرباح العقارية ليشعل النقاش تحت قبة البرلمان، بعدما طرح النائب الحركي محمد هيشامي سؤالاً بدا تقنياً في ظاهره، لكنه في الجوهر يلامس واحدة من أعقد القضايا التي تؤرق المغاربة: الضريبة التي تطارد البسطاء وتغضّ الطرف عن النافذين.
نادية فتاح علوي، وزيرة الاقتصاد والمالية، اختارت لغة أنيقة مطمئنة، مؤكدة أن الإقرارات التي يودعها الملزمون لدى إدارة الضرائب “تُعتبر صحيحة وموثوقة”، وأن المراجعة لا تتم إلا في إطار مساطر مضبوطة، تمنح المواطن كامل الحقوق من الملاحظة إلى الطعن.
خطاب جميل، يوحي أننا أمام إدارة جبائية لا تخطئ الهدف، بل ترافق المواطن في طريق العدالة والإنصاف.
لكن، في لحظة الصمت بين الجمل، يطفو سؤال آخر: إذا كانت القاعدة هي الشفافية، فأين اختفت حين ارتبط النقاش بما عُرف بـ فيلا الهيبة، العقار الذي التصق باسم وزير العدل عبد اللطيف وهبي، وأثار جدلاً تجاوز جدران المحاكم ليضرب في صميم الثقة؟ هل طبّقت الإدارة هناك نفس الصرامة التي تلاحق بها مواطناً باع شقة متواضعة في الهامش؟ أم أن القانون يصير مرناً كلما اقترب من دوائر السلطة؟
الوزيرة تبشّر بآليات جديدة: رأي مسبق، شهادة جبائية، آجال مضبوطة، وكلها إصلاحات مدونة في قانون المالية لـ2023.
لكن المغاربة، الذين يتابعون قصص المراجعات التي تستنزف أعصابهم وجيوبهم، يرون أن القوانين تُكتب بخطين: خط واضح للفقراء، وخط خفي للنافذين. وما بين الخطين، تضيع العدالة الضريبية التي تتغنى بها الحكومة.
اللافت أن نفس الحكومة التي تتحدث عن الثقة والإنصاف، هي التي تركت قضية الهيبة تتحول إلى عنوان للريبة.
ملف صغير في حجمه، كبير في رمزيته، كشف أن العدالة الجبائية ليست نصوصاً فقط، بل إرادة سياسية في مواجهة الامتيازات. وبينما تحاول فتاح علوي رسم صورة وردية للإدارة، يظل ظلّ وهبي مسلطاً على المشهد، يذكّر الجميع بأن الضريبة في المغرب ليست مجرد مسطرة، بل مرآة لميزان القوة.
البرلمان يمكن أن يناقش بلغة القوانين، لكن الشارع يناقش بلغة الإحساس بالظلم. والظلم، في النهاية، ليس في نسبة الضريبة فقط، بل في استثناءات “الهيبة” التي تجعل المواطن البسيط يحاسب على الدرهم، بينما تمر الملايين في صمت مهيب.