مرة أخرى، تتحول المأساة الإنسانية إلى مسرحية سياسية مصاغة بعناية، بطلها هذه المرة وزير الصحة أمين التهراوي، الذي سارع حسب ما نُشر إلى ربط الاتصال بعائلة رضيعة لا يتجاوز عمرها ثلاثة أشهر ظهرت خلال احتجاجات أكادير.
الطفلة، التي تعاني من ورم ووضع صحي حرج، لم تجد مكاناً في النظام الصحي إلا بعدما تحولت صورتها إلى رمز في الشارع وعلى المنصات الرقمية.
كشفت مصادر إعلامية أن الوزير تدخل شخصياً لنقلها إلى المستشفى الجامعي وتوفير العناية الطبية، وكأننا أمام إنجاز استثنائي لا يدخل أصلاً في صميم مسؤوليته.
هنا يُطرح السؤال: هل نحن أمام سياسة عمومية تعالج الأعطاب البنيوية، أم أمام وزير يسابق الزمن ليركب الموجة ويصنع “البوز” السياسي من رحم معاناة طفلة؟
المفارقة الصارخة أن احتجاجات ساكنة أكادير لم تكن بسبب حالة واحدة، بل بسبب انهيار شامل للمنظومة الصحية في المستشفى الجهوي الحسن الثاني: تأخر العمليات، غياب الإمكانيات، ضعف التنسيق، ودوامة من القلق يعيشها كل يوم آلاف المرضى.
لكن، بدل أن نسمع عن خطة استعجالية، جرى اختزال الأزمة في مشهد عاطفي جميل يضع الوزير في صورة المنقذ.
الوزير يعرف جيداً أن صورة “الهاتف العاجل” أكثر تأثيراً من أي تقرير صحي، وأن “بوز” الطفلة قد يغطي على عشرات الملفات الثقيلة التي تُدين وزارته.
لكن الرأي العام أيضاً يعرف أن الشعوب لا تُعالج بالمكالمات الفردية ولا باللقطات الدعائية، بل بإصلاحات جذرية تُعيد للناس الثقة في المستشفى العمومي.
فهل سيظل التهراوي يكتفي بانتظار موجة جديدة ليركب عليها، أم أن لحظة الحقيقة تقتضي أن ينزل إلى عمق الأزمة بدل التلاعب بسطحها الإعلامي؟