كشفت وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح، في جوابها على سؤال برلماني، أن الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي (كنوبس) عالج خلال سنة 2024 ما يقارب 78 في المئة من الملفات الطبية داخل الآجال القانونية المحددة في ستين يوماً، وفقاً للقانون المتعلق بتبسيط المساطر.
وأضافت أن متوسط مدة الأداء في نظام “الثالث المؤدي” تقلص من 70 يوماً سنة 2023 إلى 52 يوماً سنة 2024، مع أداء 63 في المئة من الملفات داخل المدة المحددة.
كشفت مصادر إعلامية أن هذه الأرقام التي تبدو للوهلة الأولى إيجابية، لا تعكس بالضرورة التجربة اليومية للمؤمنين، إذ ما تزال فئات واسعة من المنخرطين تعيش معاناة الانتظار الطويل وتأخر التعويضات، وهو ما اعترفت به الوزيرة نفسها حين عزت الأمر إلى “إكراهات الصندوق المتعلقة بالسيولة المالية”.
وإذا كانت الحكومة تعتبر أن رقمنة الخدمات واستقبال 159 ألف مكالمة هاتفية في سنة واحدة مؤشراً على تحسين التواصل، فإن كثيرين يرون في هذه الأرقام برهاناً على أزمة ثقة حقيقية: فالأرقام تُسجّل، لكن المرضى يظلون عالقين بين دهاليز المساطر وتعقيدات البيروقراطية.
ولم تخف الوزيرة أن معالجة الوضع رهينة بتعزيز موارد الصندوق وتحسين مردودية استثماراته، فضلاً عن التحكم في تكاليف العلاج عبر “آليات المراقبة الطبية” وضبط سلة العلاجات.
غير أن السؤال الجوهري يظل مطروحاً: كيف يمكن لمؤسسة عمومية يفترض فيها حماية الموظفين والطلبة والمتقاعدين أن تظل رهينة لتقلبات السيولة، في وقت يُفترض أن الحق في العلاج ضمانة دستورية لا مجال لتأجيلها أو رهنها بالحسابات التقنية؟
إن كنوبس، وهو يدبر ملفات التأمين الإجباري عن المرض، يواجه امتحاناً يتجاوز لغة النسب والجداول، ليدخل صلب معركة اجتماعية أعمق: معركة استرجاع الثقة. فالمواطن الذي ينتظر تعويضه شهوراً كاملة، أو يُفاجأ بتأجيل ملفه بدعوى المراقبة، لا يقرأ الأرقام الرسمية بنفس العين التي يقرأ بها البلاغ الحكومي.
وبين لغة الوزيرة وواقع المنخرطين، يبقى السؤال معلّقاً: هل نعيش فعلاً زمن تبسيط المساطر، أم أننا بصدد تبسيط الخطاب وتضخيم الأرقام فقط؟