حين تُصبح البطالة مسألة غيوم… وتتحوّل السماء إلى وزارة للتشغيل
خرج مصطفى بايتاس، الناطق الرسمي باسم الحكومة، ليقدّم للعالم اكتشافًا سياسيًا فريدًا: سبب البطالة في المغرب هو الجفاف.
نعم، الجفاف.فالشمس أحرقت الحقول، والمطر غاب عن المداشر، والوظائف على ما يبدو تبخّرت في السماء.
هكذا ببساطة، تحوّل ملف التشغيل إلى نشرةٍ جوية، ووزارة الاقتصاد إلى مصلحةٍ للأرصاد.
كأننا في دولةٍ تُدار بتوقعات الطقس لا بسياسات التنمية، وفي حكومةٍ تقيس الأداء بعدد الغيوم لا بعدد فرص العمل.
بايتاس، الذي بدأ مساره معلّمًا قبل أن يُصبح وزيرًا للشرح والتبرير، لم يكتفِ هذه المرة بدور الناطق الرسمي، بل تحوّل إلى عالم مناخٍ سياسي يرى في المطر خلاصًا من البطالة، وفي الجفاف مبرّرًا للعجز الحكومي.
وكأنّ السحاب أصبح مسؤولًا عن معدلات الشغل، والعاصفة الاقتصادية تمرّ فوق رؤوس المواطنين لا فوق مكاتب الوزراء.
الحكومة التي وعدت بخلق مئات الآلاف من المناصب، وجدت في الجفاف وسيلةً لغسل يديها من أي التزام.
من اليوم فصاعدًا، ستُقاس نسب النمو بعدد المليمترات المتساقطة، وسيتحوّل ديوان بايتاس إلى قسمٍ للأرصاد السياسية:
“إذا نزل المطر، انتعش التشغيل، وإن احتبست الغيوم، فالمشكل طبيعي لا حكومي.”
لكن الحقيقة أن المطر لم يكن يومًا عائقًا، كما لم يكن يومًا حلًّا.
العائق هو عقلٌ حكومي جافّ لا يؤمن بالإنسان كطاقةٍ إنتاجية، بل كرقمٍ في النشرة الإحصائية.
وحين يغيب المطر، تُكشف الأرض… وحين يغيب الفكر، تُعرّى السياسة.
والاثنان اليوم جافّان بالقدر نفسه.
الشباب الذين يغادرون البلد لا يفعلون ذلك لأن المطر تأخّر، بل لأن الأمل تأخّر أكثر.
فبينما تستثمر دول الجوار في التكنولوجيا والصناعات الخضراء، ما زالت الحكومة المغربية تُلقي اللوم على السماء، وكأنها شريكة في تدبير الشأن العام.
إنها سخرية الواقع حين يُصبح الغيث سياسةً عمومية، ويُصبح الوزير راصدًا للغيوم بدل أن يكون صانعًا للفرص.
والأدهى أن هذه الحكومة التي لم تترك أزمة إلا وفسّرتها بظرفٍ خارجي، بدأت اليوم تُحمّل الطبيعة ذنب بطالتها، بعد أن برّأت نفسها من كل مسؤولية بشرية.
يا سي بايتاس، المطر لا يخلق العمل، كما أن الجفاف لا يصنع البطالة.
الذي يخلقها هو غياب الرؤية، وضعف السياسة، وتحوّل الدولة إلى متفرّجٍ ينتظر الغيث بدل أن يصنع النمو.
فالجفاف الحقيقي ليس في الأرض… بل في الخيال.
وحين تجفّ السياسة من الفكر، تُصبح مثل تربةٍ قاحلةٍ لا تُنبت سوى أعذارٍ رسميةٍ… ببلاغٍ مطمئنٍ، وصوتٍ رتيبٍ لا يسمع إلا صدى نفسه.
