حين تصبح المصحات أكبر من وزارة الصحة، والرقابة أصغر من غرفة انتظار
ما زال قرار إغلاق مصحة “أكديطال” بحي أكدال في الرباط يثير جدلاً واسعًا في الأوساط المغربية، ليس فقط بسبب حجم المؤسسة وموقعها في قلب العاصمة، بل لأن الواقعة كشفت عن خللٍ بنيويٍّ عميق في منظومة المراقبة الصحية والإدارية بالمملكة.
فما بدا في ظاهره إجراءً تنظيمياً عابراً، تحوّل إلى قضية رأي عام تُعيد طرح سؤالٍ أكثر إلحاحًا: كيف استطاعت مجموعةٌ خاصة أن تتحوّل، في ظرفٍ وجيز، إلى “غولٍ صحي” يمدّ أذرعه في مدن البلاد بسرعةٍ تفوق قدرة الدولة على التتبع والضبط؟
كشفت مصادر إعلامية أن المصحة المعنية شرعت في استقبال المرضى وتقديم خدماتها منذ يونيو الماضي دون الحصول على شهادة المطابقة، فضلاً عن تنفيذ تغييراتٍ معمارية جوهرية دون ترخيص، في خرقٍ صريحٍ للقانون.
ورأى متابعون أن هذه الوقائع تعكس “تغافلًا مريبًا” من جهاتٍ يُفترض فيها السهر على احترام القانون، لا التساهل في تطبيقه.
وفي تعليقٍ على القضية، قال نبيل شيخي، رئيس فريق العدالة والتنمية السابق بمجلس النواب، إن الملف “يتجاوز قرارًا إداريًا عادياً إلى فضيحةٍ تمسّ جوهر المبدأ الدستوري لربط المسؤولية بالمحاسبة”، مضيفًا أن “مصحةً بهذا الحجم لم يكن ينبغي أن تفتح أبوابها قبل استكمال الشروط القانونية، وإلا فنحن أمام اختلالٍ مؤسسيٍّ لا يمكن السكوت عنه”.
وتساءل شيخي بلهجةٍ حادةٍ وواضحة:
“أين كانت أعين السلطة المحلية واللجان المختلطة طيلة ثلاثة أشهر؟ وكيف تُطبّق القوانين بحزمٍ على المواطن البسيط، بينما يُسمح لمؤسسة كبرى بالعمل في قلب العاصمة دون ترخيص؟”
ورغم إقراره بصواب قرار الإغلاق الذي اتخذه والي الجهة، شدّد شيخي على أن “القرار لا يعالج سوى العرض ويتجاهل أصل الداء”، في إشارةٍ إلى المنظومة الإدارية التي سمحت باستمرار الخروقات.
كما نبّه إلى أن “الضحايا الحقيقيين هم المرضى الذين نُقلوا على عجل، بعدما وجدوا أنفسهم بين دهاليز البيروقراطية ومصالح غير مكشوفة”.
وأكد المتحدث أن المسؤولية لا تقع فقط على إدارة المصحة، بل تشمل الجهات التي وقّعت وسكتت وأجّلت المساءلة، داعيًا إلى “تفعيل مبدأ سيادة القانون بعدالةٍ متوازنة، لا وفق موازين القوة والنفوذ”.
ويرى محللون أن حادثة “أكديطال” تكشف هشاشة العلاقة بين رأس المال والرقابة في قطاعٍ حيويٍّ يختزل بدقة التداخل بين السلطة والمال.
فكلّما تمدّدت مشاريع المجموعات الكبرى، ضاق هامش العدالة الصحية، واتّسعت دائرة الأسئلة: من يراقب من؟ ومن يحاسب من؟
إن قرار الإغلاق، مهما كانت وجاهته القانونية، لن يُعيد ثقة المواطن في المؤسسات ما لم تُفتح ملفات المسؤوليات بشفافيةٍ وشجاعة.
فما جرى لم يكن مجرد خرقٍ إداري، بل مرآةٌ تعكس مرضًا أعمق… مرض الإفلات من المساءلة.
