لم يكن الصحافي المغربي محمد اليوسفي يتخيّل أن تدوينةً على صفحته الشخصية قد تجرّه إلى السجن.
فبعد أن عبّر عن دعمه لحراك “جيل زد” ودعا إلى التعبير السلمي، وجد نفسه متابعًا بتهمة “التحريض على التجمهر غير المرخّص”، قبل أن تُصدر المحكمة الابتدائية بمدينة العيون، يوم الخميس، حكمًا يقضي بسجنه أربعة أشهر نافذة.
قضية اليوسفي ليست حدثًا عابرًا في المشهد المغربي، بل مرآةٌ تُظهر هشاشة العلاقة بين حرية التعبير والسلطة، وبين النصوص الدستورية التي تُعلي من شأن الحقوق والممارسات التي تُفرغها من معناها.
فالفصل 25 من الدستور المغربي ينص على أن “حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها”، بينما يؤكد الفصل 29 على أن “حرية الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي مضمونة”.
غير أن الواقع، كما يبدو، يسير في الاتجاه المعاكس تمامًا.
منذ انطلاق احتجاجات “جيل زد” في 27 شتنبر الماضي، والبلاد تعيش حالة توترٍ غير معلنة.
تقديرات المنظمات الحقوقية تشير إلى أن عدد الموقوفين تجاوز ألف شخص، بينهم 39 قاصرًا، فيما ما يزال نحو 600 معتقل رهن الحبس الاحتياطي، من ضمنهم 120 من ذوي الإعاقة الذهنية، وفق معطيات هيئة الدفاع عن المعتقلين.
أرقامٌ تُثير القلق وتطرح سؤالًا عريضًا حول مدى احترام الحق في التعبير السلمي في بلدٍ يقدّم نفسه كـ“استثناءٍ ديمقراطيٍّ” في المنطقة.
محمد اليوسفي لم يدعُ إلى العنف، ولم يُحرّض على الكراهية.
كتب فقط كلماتٍ تنتمي إلى فضاء التعبير السلمي، لكن القضاء رأى فيها تحريضًا يستوجب العقوبة.
وهكذا تحوّلت الكلمة إلى تهمة، والرأي إلى جريمة، والاختلاف إلى خطرٍ يُهدّد النظام العام.
القضية، في جوهرها، ليست في الحكم وحده، بل في المنطق الذي يحكم:
المنطق الذي يُكافئ الصمت ويُعاقب الكلمة، ويعتبر السلمية خطرًا والولاء فضيلة.
ذلك أن السلطة، حين تخاف من تدوينة، تكون قد أعلنت من حيث لا تدري خوفها من المستقبل نفسه.
اليوسفي اليوم خلف القضبان، لكن قضيته أبعد من اسمه.
إنها قضية جيلٍ كاملٍ يُطالب بحقه في أن يُعبّر دون خوف، بين انتماءٍ صادقٍ للوطن، وخيبةٍ عميقةٍ من سلطةٍ ما زالت تعتبر الكلمة تهديدًا.
وجيلٌ كهذا، حتى إن أُسكتت أصواته مؤقتًا، سيعود ليكتب… لأن الكتابة، مهما حوصرت، لا تُحبس.
