تحوّلت دورة المجلس الجماعي لبلدة بومية، التابعة لإقليم ميدلت، إلى ساحة مواجهةٍ مفتوحة بين الأعضاء، في مشهدٍ عبثيٍ جمع بين العراك بالأيدي وتبادل الشتائم وتخريب الممتلكات داخل القاعة.
الواقعة، التي استدعت تدخل السلطات المحلية لتهدئة الأجواء، لم تكن مجرّد حادثٍ عابر، بل مرآةً مصغّرة تعكس واقع السياسة المحلية في المغرب، حيث تتحوّل الديمقراطية التمثيلية إلى مسرحٍ للتمثيل أكثر منها فضاءً للتدبير.
ما جرى في بومية لا يمكن فصله عن المشهد العام، إذ تتكرّر الحوادث نفسها في عددٍ من المجالس المنتخبة عبر البلاد، حيث تُختزل الممارسة السياسية في صراعاتٍ شخصيةٍ ومصالح انتخابيةٍ ضيّقة، بعيدًا عن روح المصلحة العامة.
فبدل أن تكون المجالس فضاءاتٍ للنقاش المؤسساتي وصناعة الحلول لقضايا الماء والطرق والنظافة، تتحوّل إلى منابر لتصفية الحسابات القديمة بين أطرافٍ ما زالت تعتبر الكرسي غنيمةً لا مسؤولية.
والمفارقة أن هذه الوقائع تتكرّر في بلدٍ يرفع شعار الجهوية المتقدمة واللاتمركز الإداري،
لكن الواقع الميداني يُظهر أن اللامركزية لا يمكن أن تزدهر في بيئةٍ تخلط بين تدبير الشأن العام وتدبير المصالح الخاصة.
تكشف هذه الحوادث هشاشة البنية الحزبية في مستوياتها المحلية، وضعف التأطير السياسي للمنتخبين، الذين يصل كثيرٌ منهم إلى المجالس عبر الولاءات لا الكفاءات.
النتيجة واضحة: مجالس تُنتج الصراع أكثر مما تُنتج الحلول، ونقاشاتٌ تنتهي بالانقسام بدل القرارات.
ويرى مراقبون أن هذه الفوضى المتكرّرة تُضعف ثقة المواطنين في المؤسسات المنتخبة، وتكرّس اقتناعًا بأن التغيير لا يُصنع عبر صناديق الاقتراع بل يُنتزع من الشارع أو من الإدارة المركزية،
ما يُفرغ الديمقراطية المحلية من مضمونها ويحوّلها إلى واجهةٍ شكليةٍ بلا أثرٍ فعلي في الواقع.
ما حدث في بومية ليس سوى صورة رمزية لوضعٍ سياسيٍّ أوسع،
حيث يتراجع الفعل الديمقراطي أمام ثقافة العصبية والولاء،
وتتحوّل المجالس المنتخبة من فضاءاتٍ للحوار إلى مسارح للخصام.
لن تستقيم الديمقراطية المحلية في المغرب
ما دامت السياسة تُدار بالصوت العالي لا بالحجة،
وبالعراك لا بالاقتراح،
وبالكراسي التي تُرفع لا بالكفاءات التي تُبنى.
