بقلم: ادريس الكنبوري
أصدر المجلس العلمي الأعلى فتوى الزكاة التي كان الملك محمد السادس قد أمر بها الشهر الماضي، وحددت الفتوى أنواع الأنشطة التي تشملها الزكاة.
والملاحظة التي ظهرت لي هي أن الفتوى لم تأخذ في الاعتبار حيثيات الأمر الملكي وسياقه، والأحوال الاجتماعية والاقتصادية في المغرب، ودور الزكاة فيها اليوم.
فقد ذكرت الفتوى مرتين أن غاية الزكاة هي “تحرير الإنسان من الشح والبخل”، وكأن الفتوى مجرد درس من دروس مادة التربية الإسلامية.
وفي تعريفها للزكاة اكتفت الفتوى بالقول إنها ما يخرجه المكلفون من الأموال التي تستفيد منها الفئات المبينة في القرآن الكريم.
فجعل هدف الزكاة تحرير الإنسان من الشح والبخل يقزم أهدافها الاجتماعية والاقتصادية، إذ كان ينبغي تبيان أن الزكاة واجب ديني واجتماعي يساهم في التنمية الوطنية والحد من الفقر والتضامن، وأنها أيضا واجب وطني يؤديه المواطن لفائدة المواطن.
ولعل هذا التعريف لهدف الزكاة نتج عن تعريف الزكاة نفسها في الفتوى بأنها ما يخرجه المكلفون من أموالهم، إذ لم تذكر الفتوى أن الزكاة حق الله في المال، وأنها تؤخذ من أموال الأغنياء وترد على الفقراء، لأن هذا التعريف يجعل الزكاة حقا لا مجرد واجب أخلاقي.
وقد تجنبت الفتوى هذا التعريف لأنه سيحول أمر الزكاة إلى إلزام ويضع على الدولة مهمة جمعها وتوزيعها، كما هو معروف في التاريخ الإسلامي، لذلك اكتفت بذلك التعريف الذي يساوي بين الزكاة وبين الصلاة والحج، والمعروف أن أركان الإسلام الخمسة أربعة منها تخص الفرد وواحدة منها تخص الفرد والدولة هي الزكاة.
ولذلك نعتقد أن أثر الفتوى سيكون محدودا على المجتمع، لأن ما جاء فيها ليس جديدا، فالأنشطة التي ذكرتها معروفة في كتب الفقه اجتهد فيها علماء الأمصار في العصر الحديث، ومقاديرها معروفة، والفتوى اعتمدت التذكير بها فقط، وهو ما ذكرته في المقدمة عندما قالت إن هدفها هو التبليغ.
إن قضية الزكاة اليوم تتعلق بمساهمة كبار الأثرياء في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وهؤلاء جلهم لا يريد أن يجمع بين الزكاة والضريبة لثقل الكلفة المالية عليه، وقبل يومين فقط أعلن وزير الميزانية عن إجراءات جديدة لمحاربة الغش والتهرب الضريبي، فهل يعقل أن يخرج الزكاة من يتهرب من أداء الضريبة؟ وقد ميزت الفتوى بين الزكاة والضريبة وعرفت الضريبة بأنها ما تأخذه الدولة من الناس مقابل الخدمات التي تقدمها لهم، فهل من يمتنع عن أداء الضريبة ويؤثر على خدمات الدولة يقبل بأداء الزكاة لخدمة المجتمع؟.
