Baitas: From Spokesman to the Government’s Chief Advocate
خلال مناقشة ميزانية الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان، ظهر مصطفى بايتاس، الوزير المنتدب والناطق الرسمي باسم الحكومة، وكأنه يقدّم مرافعة قضائية أكثر منها عرضًا سياسيًا.
فكلما وُجهت إلى الحكومة انتقادات، عاد بايتاس ليكرر الجملة نفسها: «احترموا المنطق الديمقراطي ومخرجات صناديق الاقتراع».
عبارة تُقال بثقةٍ مبالغٍ فيها، لكنها تُخفي هشاشة سياسية واضحة، إذ إن الحكومة التي تضطر لتذكير الناس بشرعيتها هي حكومة تدرك أن رصيدها الشعبي يتناقص مع كل جلسة برلمانية وكل فاتورة كهرباء.
بايتاس أكّد أن الحكومة كان لها “شرف تفعيل مجموعة من السياسات العمومية التي جاءت بتوجيهات ملكية”، مضيفًا أن بعض الجهات “تسعى لطمس منجزاتها”.
لكن هذه الجملة وحدها تكشف طبيعة الإشكال: فحين تتحول التوجيهات الملكية إلى المظلّة التي تختبئ تحتها الحكومة، يصبح “المنجز الحكومي” مجرّد تنفيذٍ لتصوّراتٍ لم تُنتَج داخلها أصلًا.
الوزير دافع عن حصيلة ولايته قائلًا إن المعارضة تمارس “منطق التشويش”، وتساءل:
«هل توجد تجربة ديمقراطية يخرج فيها رئيس الحكومة في حوار، وفي اليوم الموالي حزب سياسي لعقد ندوة؟»
لكن في الأنظمة الديمقراطية الحقيقية، لا ينتظر السياسي إذنًا من الناطق الرسمي ليتكلم، ولا تُقاس الديمقراطية بمدة الصمت بين الحوار والردّ.
أما اقتصاديًا، فقد قدّم بايتاس روايةً عجيبة: الحكومة في رأيه حققت نموًا بين 4.6 و4.8 في المئة “من دون مساهمة الفلاحة”، ولو تكررت “سنوات المطر في عهد بنكيران” لبلغت 7 في المئة.
إنها طريقة لطيفة لتحميل المناخ مسؤولية السياسة؛ فالذي لا يملك أدوات النمو يلجأ دائمًا إلى الغيب لتبرير الأرقام.
في الجوهر، تكشف هذه المرافعة البرلمانية أن الحكومة لا تتحدث عن نفسها بقدر ما تتوارى خلف مشاريع لم تكن من صنعها:
ورش الحماية الاجتماعية بقرار ملكي، والدعم الاجتماعي المباشر برؤية ملكية، وإصلاح التعليم مؤطر بالاستراتيجية الوطنية 2015-2030، والسكن والفلاحة والماء أوراش ملكية مستمرة.
أمّا الحكومة، فلا تملك بعد مشروعًا سياسيًا واضح المعالم يبرّر خطاباتها حول “الريادة” و“الدولة الاجتماعية”.
حين قال بايتاس إن «من كبر على نموذج سياسي لا يقبل ما عداه»، كان يصف الواقع دون أن يدري.
فحكومته هي التي لم تتجاوز بعد نموذج “التنفيذ الصامت”، حيث تتحول السلطة التنفيذية إلى سكرتارية للدولة بدل أن تكون فاعلًا سياسيًا منتخبًا ومسؤولًا أمام الناس.
وفي ختام كلمته أمام البرلمان، دعا الوزير إلى “الوحدة” بمناسبة عيد الوحدة الذي أقرّه الملك، مؤكدًا ضرورة “التصالح مع قيم التدافع الديمقراطي وخدمة المؤسسات”.
دعوة نبيلة في ظاهرها، لكن الوحدة الحقيقية تبدأ من توحيد الخطاب مع الفعل، ومن أن تتكلم الحكومة بضميرها لا بظلّ المؤسسة التي تغطيها.
فالديمقراطية، في النهاية، ليست صندوقًا نلوّح به كل خمس سنوات، بل مسؤولية تُمارس كل يوم.
ومن يحكم باسم الصناديق عليه أن يقدّم نتائج لا مرافعات، لأن الشرعية مثل الثقة لا تُستعار… بل تُبنى.
