Between Subsidy and Silencing: The Hidden Politics Behind Media Funding
لم تعد أزمة الصحافة المغربية قضية دعم مالي أو نقاشاً بروتوكولياً داخل لجنة برلمانية، بل تحولت إلى مرآة مكشوفة لسياسة خفية تتحكم في الإيقاع، وتعيد رسم حدود المهنة وجرأتها. مداخلة البرلمانية ثورية عفيف، باسم المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية، لم تكن مجرد موقف حزبي، بل شهادة قوية على اختلالات بنيوية تمسّ صلب استقلالية الإعلام.
فقد انتقدت البرلمانية طريقة توزيع الدعم العمومي على المؤسسات الصحفية، معتبرة أنه يتم في غياب تام للشفافية، وأنه يخلق انطباعاً بأن الدعم لم يعد آليةً لتقوية الصحافة، بل أداة يمكن أن تُستعمل لتوجيهها أو فرزها وفق مزاج سياسي معيّن.
هذه الاتهامات، مهما اختلفت القراءات حولها، تفتح باباً واسعاً حول سؤال حساس: هل أصبحت الملايير المخصصة للدعم أداة ناعمة للتحكّم السياسي؟
كشفت مصادر إعلامية أن تمديد مهام المجلس الوطني للصحافة لمدة ستة أشهر، ثم إنشاء لجنة مؤقتة لتسيير القطاع لمدة تصل إلى سنتين، لم يكن مجرد تفصيل إداري، بل خطوة استثنائية تتجاوز المنطق المؤسساتي.
والأغرب أن مشروع قانون إعادة تنظيم المجلس مرّ بسرعة البرق في الغرفة الأولى، ثم دخل في نفق طويل داخل الغرفة الثانية من دون تفسير مقنع، ما جعل القطاع يعيش اليوم بلا مجلس منتخب، وبلا جهاز شرعي يضمن التنظيم الذاتي، وبلا آلية واضحة لصون المهنة من التدخلات.
هذا الوضع الهجين، حيث لا مجلس ولا شرعية مؤسساتية، يجعل الصحافة المغربية مكشوفة أمام احتمالين أحلاهما مُرّ: إما الخضوع لسلطة تنفيذية تملأ الفراغ، أو البقاء في منطقة رمادية تفقد فيها المهنة قدرتها على الدفاع عن استقلاليتها.
وأضافت البرلمانية أن محاكمة الصحافيين بالقانون الجنائي تحوّل الصحافة من سلطة رقابية إلى سلطة خائفة. ليست هذه مجرد جملة، بل خلاصـة لواقع بات فيه الصحافي مطالباً بأن يكتب بحذر، وأن يختار كلماته كما يختار الجندي خطواته في حقل ألغام.
فكيف يمكن لبلد يسعى لتقوية مؤسساته الديمقراطية أن يسمح باستعمال النصوص الجنائية في قضايا الرأي؟ وهل يمكن لحرية التعبير أن تزدهر في ظل قاعات محاكم مكتظة بتهم مرتبطة بالكتابة والتعليق والنقد؟
وطالبت البرلمانية بإطلاق سراح معتقلي الرأي ومعتقلي جيل “زاد”، الذين وجدوا أنفسهم داخل مساطر قضائية فقط لأنهم عبروا عن مواقفهم من السياسات العمومية.
هذا المطلب يعيد الروح إلى سؤال قديم جديد: أين يتوقف النقد المشروع… وأين يبدأ العقاب السياسي؟
وفي خضم نقاش الحرية والدعم والمسؤولية، ظهرت فضيحة أخرى في قلب القطاع الثقافي: مديرة المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي تعلن عن مباراة توظيف، ثم تظهر ضمن الناجحين. مشهد سريالي لا يحتاج إلى تعليق. ما حدث يضرب مبدأ تكافؤ الفرص، ويهشم صورة مؤسسة ثقافية وطنية، ويطرح أسئلة ثقيلة عن النزاهة والشفافية واحترام الضوابط الإدارية.
كما أن المعطى المتعلق بمناقشة أطروحتها للدكتوراه بعد الإعلان عن المباراة يزيد من حدة الشبهة، ويحول الواقعة إلى ملف حارق يحتاج إلى مساءلة واضحة: من يحمي النزاهة داخل المؤسسات؟ ومن يراقب احترام القوانين؟ ومن يتحمل مسؤولية السماح بهذا العبث؟
أزمة القطاع الإعلامي والثقافي اليوم ليست مجرد صدفة، بل نتيجة تراكم اختلالات تُدار بمنطق اللجان المؤقتة والقوانين المستعجلة والدعم غير الواضح والتأويل الانتقائي للقواعد.
إنها أزمة تعكس علاقة ملتبسة بين السلطة والميكروفون، بين الدولة وحرية الكتابة، بين الدعم العمومي وحرية التعبير.
الصحافة ليست امتيازاً تمنحه الدولة ولا منحة تُصرف بلا معايير، بل هي نافذة المجتمع على الحقيقة. وكلما ضاق الهامش التنظيمي والقانوني، كلما اتسعت مساحة الشك، وتقلّصت الثقة، وتشوّهت صورة البلاد أمام العالم.
اليوم، السؤال لم يعد: كيف نوزّع الدعم؟
بل أصبح: من يكتب مستقبل الإعلام؟ الصحافيون… أم الذين يديرون لجانه المؤقتة؟
