A State That Sells Tomorrow to Cover Today’s Deficit: Lekjaa’s Fiscal Philosophy
خطاب فوزي لقجع حول “التمويلات المبتكرة” لا يُقرأ كشرح مالي عابر، إنه إعلان عن مرحلة جديدة تُدار فيها أملاك الدولة بلغة مُعاد تسميتها، حيث تتغير الكلمات بينما يبقى الجوهر ثابتاً: بيعٌ مؤجل، تفويتٌ مغلّف، أو خصخصة ناعمة ترتدي لباس الابتكار.
الوزير قال بوضوح إنه “ما كاين لا بيع لا شراء لا تفويت”، لكن التفاصيل التي قدّمها تكشف شيئاً مختلفاً تماماً: الدولة لا تبيع أصولها مباشرة، بل تضعها في وضعية تجارية تُدرّ أموالاً عاجلة، بينما تظل الملكية اسمية فقط. إنها هندسة مالية بلا ضجيج… وبنتائج كبيرة.
في منطق لقجع، التمويلات المبتكرة هي عملية بسيطة: الدولة تقيّم قيمة أصلٍ معين، تُعيد ترتيب وضعه المحاسباتي، وتستخرج منه مورداً فورياً دون أن “تفوّته”.
كل شيء يبدو نظيفاً على الورق، لكن على أرض الواقع، هذا النموذج يجعل ممتلكات الدولة تتحول إلى مصدر تمويل قصير المدى، أي أنها تتحول إلى خزنة مفتوحة، تُستعمل لتغطية فجوات الميزانية أو لخلق هامش سريع نحو مؤشرات التوازن. إنه منطق يحوّل الثروات العمومية إلى أدوات مالية، لا إلى أصول استراتيجية طويلة الأمد.
الوزير قدّم تفصيلاً دقيقاً: “الدولة تكري، والدولة تستعمل، والدولة تسترجع القيمة”، لكن السؤال الحقيقي ليس في التقنية، بل في الفلسفة: لماذا تحتاج الدولة إلى إعادة تدوير ممتلكاتها؟ ولماذا يتحول الأصل العمومي إلى سند مالي، بينما الموارد العادية يفترض أن تضمن الاستدامة؟ حين تستعمل الدولة ممتلكاتها لتفادي العجز، فهي لا تُبدع، بل تؤجل السؤال الكبير: من أين تأتي الموارد الحقيقية؟ وكيف يمكن خلق اقتصادٍ مُنتج، لا اقتصادٍ يعتمد على تدوير نفس المخزون سنة بعد سنة؟
المفارقة أن لقجع استند إلى “طمأنة” المؤسسات الدولية ليدافع عن هذا الأسلوب. قال إن صندوق النقد ووكالات التصنيف اطّلعوا على هذه العمليات ولم يصنفوها كخصخصة.
لكن المؤسسات الدولية لا ترى الدولة بعيون المواطنين، بل بعيون الأرقام: ما يهمّها هو انخفاض العجز، استقرار المديونية، وإمكانية الاقتراض دون ضجيج.
أما أثر ذلك على مستقبل الأصول العمومية، أو على قدرة الدولة على الاستثمار لاحقاً، أو على سيادتها الاقتصادية… فذلك لا يدخل في جدول Excel الدولي.
ولهذا بالضبط، يجب إعادة طرح السؤال: متى تتحول “التمويلات المبتكرة” إلى آلية ذكية، ومتى تتحول إلى نوع جديد من البيع؟ الجواب بسيط: عندما تصبح الأصول العمومية مورداً مالياً اعتيادياً، فهذا ليس ابتكاراً، بل اختصاراً.
وعندما يحتاج المواطن إلى مستشفى أفضل، أو مدرسة جديدة، ويجد أن الدولة سبق أن “استعملت” أصولها لتمويل العجز… فهذا ليس إصلاحاً، بل استنزافاً مؤجلاً.
الخطير في هذا النموذج أنه يبدو جذاباً في البداية: موارد إضافية، قدرة على تمويل مشاريع، توازنات محسّنة، إشارات إيجابية من الخارج.
لكنه يُضعف الدولة في المدى الطويل، لأنه يعيد هندسة العلاقة بين الثروة العمومية والخزينة العامة، بدل أن تكون الأصول سنداً للأجيال المقبلة، تتحول إلى موارد لحظية تُستعمل اليوم ولا تعود غداً.
عصر السرعة دخل حتى إلى المالية العمومية: “استعمل اليوم… وفتّش لاحقاً عن البديل”.
التمويلات المبتكرة في خطاب لقجع ليست مجرد أداة مالية؛ إنها تصور كامل لطريقة إدارة الدولة، تصور يعتبر أن الاقتصاد يمكن أن يُدار كمعادلة قصيرة، وأن المستقبل يمكن أن يُموَّل بماضي الدولة، وأن الورقة تُرتَّب بالابتكار اللغوي أكثر مما تُرتَّب بالابتكار الاقتصادي.
لكن الحقيقة البسيطة تبقى هي نفسها: الدولة التي تستعمل أصولها لتغطية العجز اليوم، ستحتاج يوماً إلى أصول جديدة… أو إلى عجز جديد.
خلاصة هذه الحلقة أن “الابتكار” الذي يتحدث عنه الوزير هو في الواقع اسمٌ مهذّبٌ لتحويل أملاك الدولة إلى أدوات مالية.
إنها خصخصة ناعمة، بلا إعلان، بلا بيعٍ مباشر، ولكن بنفس الفلسفة القديمة: الدولة تتخلى تدريجياً عن مخزونها الاستراتيجي لتربح معادلة قصيرة الأمد، لوحة مالية تبدو جميلة، لكنها تترك خلفها سؤالاً كبيراً عن الثمن الحقيقي.
نلتقي في الحلقة الرابعة… حيث نكشف الوجه الآخر للعدالة الجبائية:
حين يدفع الضعفاء نقداً، بينما تُمنح الأقوياء إعفاءً… وتُقدَّم الضرائب بصولجان الإنصاف، فيما الواقع يقول شيئاً آخر تماماً.
