Corruption Without Names… When Silence Breaks Inside the Interior Committee
لم يكن مساء الخميس داخل مجلس النواب يوماً عادياً.
ففي اجتماع لجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة، المخصّص للمناقشة التفصيلية لمشاريع القوانين الانتخابية، لم يعد النقاش حول “كيف ننتخب؟” بل تحوّل إلى سؤال أكبر: من يحمي الفساد؟ ومن يضع الغطاء على أشخاص يعرفهم الجميع، وتعرفهم الدولة قبل الجميع؟
لحظة الانفجار جاءت حين قرر البرلماني يوسف بيزيد، عن فريق التقدم والاشتراكية، أن يقول علناً ما يقوله الناس همساً.
أمام وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، رفع صوته قائلاً إن هناك مسؤولين محليين متورطين في الفساد، وما زالوا يمارسون مهامهم بشكل عادي، بلا متابعات ولا أحكام.
ثم أطلق جملة كانت كافية لإسكات القاعة:
“كلنا نعرفهم… وإذا أردتم أن نسميهم، سنسميهم.”
هذه الجملة وحدها كانت صفعة. ليست مجرد رأي برلماني، بل اعتراف داخلي بأن الفساد ليس مشكلاً في الأوراق، بل مشكل في الإرادة.
مشكل في الجهة التي تفتح الملفات… والجهة التي تغلقها. مشكل في “المَن يُعاقَب” و“المَن يتفلت”. والقضية أخطر من مجرد أسماء: إنها شبكة قائمة، تتحرك منذ سنوات داخل الجماعات، وتعرف كيف تحمي نفسها أكثر مما تعرف الدولة كيف تكشفها.
بيزيد أوضح أن “الفساد السياسي” لا يأتي من البرلمان، بل يصنع في القاعدة: في الجماعات المترامية، حيث تُصنع الولاءات، وتُطبخ الصفقات، وتُجهّز الوجوه التي ستصعد لاحقاً إلى المؤسسات الوطنية.
وبأن أغلب البرلمانيين المتابعين قضائياً كانوا رؤساء جماعات، بينما آخرون وصفهم بـ”النافذين” لا تلمسهم العدالة رغم أن شبهاتهم أثقل من ملفات غيرهم.
القانون واحد، لكن طريقة تطبيقه—حسب كلامهتخلق واقعاً مزدوجاً:
فئة يسقطها القانون، وفئة يسقط أمامها القانون.
ثم جاء المثال الذي فجّر الصمت داخل اللجنة.
حين سأله وزير الداخلية عن الإقليم الذي ينتمي إليه، قال بيزيد إنه من إقليم الجديدة، قبل أن يذكر واقعة نائب رئيس جماعة سيدي علي بنحمدوش، المحكوم بسنة سجناً نافذاً، ومع ذلك ما يزال يمارس مهامه.
النصوص واضحة: أي حكم يفوق ستة أشهر يستوجب العزل الفوري. لكن “الاستثناء” كان أقوى من النص.
من هنا يظهر السؤال الحقيقي:
من يكحم الفساد؟
ومن يصنع “المفاتيح” التي تفتح باب المساءلة على البعض… وتغلقه بإحكام على البعض الآخر؟
منذ سنوات تتحدث التقارير الحقوقية عن “منطقة رمادية” داخل تدبير الشأن المحلي.
منطقة لا يدخلها القانون إلا بإذن القوي، ولا يمنع فيها الفساد إلا إذا تغيّر ميزان المصالح، منطقة يُعاقَب فيها الضعيف بلا تردد، ويُحاط فيها القوي بالصمت وبالتحالفات وبالحماية غير المعلنة.
إن ما قاله بيزيد ليس مجرد تصريح عابر، بل تلخيص لمنظومة كاملة:
نحن لا نعيش أزمة قانون… بل أزمة إرادة.
القوانين موجودة، لكن الشجاعة لتطبيقها على الجميع ما تزال مفقودة.
وما لم يتم تفكيك هذه “الشبكة الصامتة” داخل الجماعات، فإن أي إصلاح انتخابي سيظل مجرد تجميل فوق جرح مفتوح.
مداخلة واحدة داخل لجنة الداخلـية تحوّلت إلى مرآة كبيرة:
تعكس أن الفساد ليس مجرد فرد… بل نمط حكم.
وأن السؤال اليوم ليس “من هو الفاسد؟” بل:
من يحمي الفاسدين؟ ومن يقف وراء استثناءاتهم؟
وما دام الجواب ما يزال معلقاً، فإن الباب سيبقى موارباً… والفساد سيواصل المشي في الضوء، بينما يواصل القانون المشي في الظل.
