كشفت مجلة فوربس الأمريكية، في تحديثها لشهر يوليوز 2025، عن قائمة أثرياء المغرب، حيث حلّ رئيس الحكومة الحالي، عزيز أخنوش، في المرتبة الثالثة وطنياً بثروة تُقدّر بـ1.5 مليار دولار.
بينما تصدّر القائمة رجل الأعمال عثمان بنجلون وعائلته بـ1.6 مليار دولار، متبوعًا بأنس الصفريوي، وهو ما يؤشر على استمرارية تمركز الثروة لدى أسماء معروفة، رغم التحولات الاقتصادية والسياسية.
لكن خلف هذا الترتيب البراق، تطفو مفارقة عميقة: كيف لرجل يُتقن تدبير المال أن يتعثر بهذا الشكل في تدبير الدولة؟ وكيف لرئيس حكومة أن ينجح في تعظيم أرباح شركاته، فيما يتقلص الأمل في عهده من الشغل إلى الصحة إلى القدرة الشرائية؟
قبل أن يصبح رئيسًا للحكومة، شغل عزيز أخنوش منصب وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية لأزيد من 15 سنة، وهي أطول ولاية في تاريخ الحكومات المغربية الحديثة.
في تلك الفترة، أشرف على تنفيذ “مخطط المغرب الأخضر” الذي سُوِّق له كتحول استراتيجي في البنية الفلاحية للبلاد، لكن سرعان ما تحوّل إلى آلية لتعميق الفوارق داخل المجال القروي.
فبينما انتفعت شركات كبرى ومجموعات فلاحية مهيكلة من الدعم العمومي والتحفيزات، وجد الفلاح الصغير نفسه مُقصيًا من منظومة الدعم، وعالقًا بين قروض غير منتجة، وأسواق غير عادلة، ومواسم متقلبة بفعل تغيّر المناخ وسوء التخطيط.
والنتيجة؟ قطاع فلاحي هشّ، وفلاح مغربي منهك، ومليارات صُرفت دون أثر ملموس على أمننا الغذائي. أما الوزير المُشرف، فكان حينها يزاوج بين موقعه السياسي ومصالحه الاقتصادية، دون أن تطاله أسئلة التنازع أو تضارب المصالح.
الشارع المغربي، الذي هلّل بعضه في البداية لصعود رجل الأعمال إلى رئاسة الحكومة، ظنًّا منه أن الكفاءة الاقتصادية ستُترجم إلى إنجازات اجتماعية، استيقظ سريعًا على واقع مختلف: أسعار تتضاعف، ووعود تتبخّر، ووزراء يختفون عن الأنظار.
ذلك التصفيق الذي رافق حملة “تستاهل أحسن” تحوّل إلى سؤال مرّ: من يستحق فعلاً؟ المواطن الذي انتظر الفرج، أم الفاعل الذي راكم الربح؟ ومتى تتحوّل الثروة إلى التزام سياسي، بدل أن تظل درعًا واقيًا ضد المساءلة؟
نجاح أخنوش في الأعمال لا غبار عليه. فشركاته، وعلى رأسها “أفريقيا غاز” و”أكوا”، ضاعفت أرباحها في السنوات الأخيرة، وتمددت داخل قطاعات استراتيجية، بشكل جعلها فاعلًا اقتصاديًا وماليًا من العيار الثقيل. ولعل وصوله إلى نادي المليارديرات لم يكن مفاجئًا، بل نتيجة بنية اقتصادية تسمح للأقوى بالهيمنة على السوق دون منازع.
لكن في المقابل، تجربة أخنوش في رئاسة الحكومة أكدت أن منطق السوق لا يصلح لتدبير الشأن العام. فالسياسة ليست ميزانية تُعاد هندستها على أوراق الأكسل، بل فنّ بناء التوازنات الاجتماعية والرمزية داخل الدولة. وهنا تحديدًا، أخفق المقاول-الرئيس.
تضارب المصالح… “الملف الممنوع من اللمس”
منذ اليوم الأول لتشكيل حكومته، أُثيرت أسئلة صريحة حول تضارب المصالح: كيف يمكن لرئيس حكومة أن يُشرف على سياسات المحروقات، وهو نفسه يملك إحدى أكبر شركات التوزيع؟ كيف يمكنه أن يدير إصلاحًا ضريبيًا، وهو أكبر دافع أو مستفيد منه؟ ولماذا لم يتم إلزامه ببيع أسهمه أو سحب نفسه من التسيير الفعلي؟
ورغم محاولة تبرير الوضع بـ”الاستقلال المؤسسي” بينه وبين شركاته، فإن الوقائع على الأرض تُظهر شيئًا آخر: قرارات حكومية تعزز من أرباح شركات بعينها، وانعدام شبه تام للمراقبة البرلمانية أو القضائية الجريئة في هذا الباب.
قد تُعجبنا أرقام فوربس، لكنها لا تعني شيئًا حين يُحاصر الفلاح المغربي بندرة الماء، ويُفاجأ المواطن بفاتورة محروقات تُضاهي نصف راتبه، ويُهاجر الطبيب والمدرّس والمهندس لأن “الدولة” فقدت جاذبيتها.
وبينما تتعاظم ثروة رئيس الحكومة، تتآكل ثقة المواطن في السياسة، وتُطرح بصوت أعلى: هل نعيش عهد تَحوُّل المغرب إلى “شراكة محدودة” بين فاعلين ماليين يتحكّمون في القرار الاقتصادي والسياسي؟