كشفت مصادر إعلامية مطلعة أن دورة استثنائية لمجلس جماعة سلا، عُقدت بتاريخ 6 غشت 2025، تحولت إلى منبر لكشف ما اعتبرته إحدى المستشارات الجماعية “استغلالًا ممنهجًا” لممتلكات الجماعة من طرف ما يُعرف بـ”التعاونية القرائية الوفاق”، والتي وُلدت كمشروع اجتماعي لتشغيل المعطلين، قبل أن تتحول تدريجيًا إلى مقاولة استثمارية تشتغل بمنطق السوق، في غياب أي تقييم جدي من المجلس أو تدخل رقابي فعّال.
وحسب نفس المصادر، فقد صادق المجلس، بتوقيع رئيسه عمر السنتيسي، على عقد كراء جديد يمنح التعاونية بناية رابعة عبارة عن مدرسة بإقامة “دار البحر” بمقاطعة العيايدة، لينضاف هذا المرفق إلى ثلاث بنايات أخرى سبق أن حصلت عليها التعاونية في إطار شراكة مثيرة للجدل.
ورغم الدعم السخي الذي فاق 1.5 مليون درهم من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، بالإضافة إلى تكوينات أشرفت عليها الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات، ظلّ الغموض يلفّ الأرقام الحقيقية لفرص الشغل المحدثة والأرباح المحققة، مع غياب أي تقارير دورية أو مراقبة محلية.
العودة إلى الأرشيف تكشف أن القصة بدأت سنة 2014، حين تم تأجير أول بناية مدرسية لمدة 99 سنة مقابل 1000 درهم فقط للشهر في سنتها الأولى. ومنذ ذلك التاريخ، توالت عقود كراء لمؤسسات أخرى بأثمنة رمزية، رغم قرارات لاحقة للمجلس تدعو لمراجعة الشروط وتقليص مدة الاستغلال، وهي قرارات بقيت حبرًا على ورق.
الأمر الأكثر إثارة أن رئيس الجماعة الحالي أعاد فتح الباب أمام نفس التعاونية بعقد جديد مدته 9 سنوات قابلة للتجديد الضمني، وبسومة إجمالية قدرها 70 ألف درهم شهريًا لأربع مدارس، مع تخفيض بنسبة 50% إلى غاية غشت 2026.
تبرير الرئيس جاء بمنطق “تحقيق مداخيل جديدة للجماعة”، متجاهلًا – بحسب المعارضة – البعد الاجتماعي الأصلي للمشروع، ومكرسًا منطق الامتيازات بدل الالتزام بمبدأ تكافؤ الفرص.
هذا الملف يعيد إلى الواجهة شبح ملفات قديمة، من بينها ما عُرف بـ”مشتل المقاولات” سنة 2001، والذي تحوّل بدوره من مشروع لدعم المقاولين الشباب إلى فضاء استغلال خاص استفادت منه دوائر ضيقة، دون أن تطاله يد المحاسبة.
في ظل هذا المشهد، يرى مراقبون أن سلا، المدينة التاريخية والكبرى من حيث الكثافة السكانية، تبدو بعيدة عن رادار وزارة الداخلية، وتعيش على وقع تهميش تنموي وتغوّل ممارسات الزبونية والمحسوبية.
وبينما تطالب المعارضة بإحالة الملف على القضاء لفتح تحقيق شفاف، اختار المجلس مسار “التسوية الودية”، مانحًا إشارة مقلقة بأن الرقابة يمكن أن تُستبدل بالمجاملة، وأن الأملاك الجماعية قد تُدار كما لو كانت رصيدًا شخصيًا لا ملكًا عامًا.