الباز عبدالإله
رغم تطمينات وزارة الاقتصاد والمالية بشأن تقلّص متوسط آجال الأداء إلى 33.2 يوماً، لا تزال المقاولات المغربية، خاصة الصغرى منها، تعيش اختناقًا مالياً يُهدّد وجودها.
فالأرقام التي قدّمتها الوزيرة نادية فتاح تبدو منسّقة جيداً لتخدم الخطاب الرسمي، لكنها تفشل في إخفاء حقيقة مرّة: تأخّر تسوية المستحقات صار قاعدة، لا استثناء.
الوزيرة اعترفت صراحة بأن عدداً من المؤسسات العمومية ما زال يراكم فواتير غير مؤداة، رغم القوانين والتوجيهات الملكية والتزامات الدولة المعلنة.
اعتراف نادر، لكنه لا يكفي. فالمقاولة لا تعيش على الاعتراف، بل على التدفق السلس للسيولة، التي بدونها تتوقف الأجور، وتُجمّد الطلبيات، وتضيع فرص العمل.
الحكومة تقول إنها أطلقت خطة عمل، وعقدت اجتماعات، وشخّصت الوضع، ووضعت جداول زمنية… لكن الواقع أن مئات المقاولات الصغيرة، خصوصًا في الجهات، لا تزال تُراسل الإدارات العمومية بحثًا عن مستحقات مؤجلة منذ شهور. والنتيجة: مقاولات تغلق بهدوء، وأخرى تستدين من الأبناك لتُعوض تأخر الدولة نفسها.
أين هي الشفافية؟
وأين هي “الحكامة المالية” التي ترفعها الدولة كشعار في كل منتدى اقتصادي؟
الواقع يُظهر أن هناك إدارات عمومية تُمارس التأخر في الأداء كخيار ضمني لتدبير العجز، في تناقض صريح مع القانون 69.21، ومع كل ما رُوّج له من إصلاحات في “منظومة آجال الأداء” و”مرصد تتبع الفواتير”.
تفاخر الحكومة بمنصة AD@E، وبالرقمنة، وبإدماج آجال الأداء في أنظمة التسيير… لكن الرقمنة بدون إرادة سياسية تبقى ديكوراً. وحتى القانون، إذا لم يكن مصحوباً بمحاسبة فعلية للمؤسسات المتخلفة، سيظل مجرد إعلان حسن نية.
لقد دخل القانون 69.21 حيّز التنفيذ منذ سنتين. ومعه، وُعدت المقاولات بأن زمن الانتظار انتهى. لكن ما حدث هو العكس: الزمن يمرّ، والمقاولات تنكمش، والثقة تتآكل، والمجال العام يفقد جزءاً من ديناميته الاقتصادية بسبب هذا النزيف الصامت.
الهيئة المغربية للمقاولات الصغرى نقلت نبض الواقع. شكاوى تتزايد، حالات إفلاس تتكرر، وفقدان لمناصب الشغل. مقترحاتها عملية: تمثيلية مهنية أوسع داخل مرصد الأداء، آلية للتبليغ، صندوق ضمان… لكن التجاوب الحكومي ظل محدودًا.
في النهاية، لا يمكن الحديث عن مناخ أعمال سليم، بينما الإدارة تُمعن في خنق أصغر الفاعلين الاقتصاديين. ولا يمكن بناء اقتصاد تنافسي في ظل ثقافة تؤجل الأداء وتُقدّم الوعود على حساب الحقوق.
الاقتصاد الصغير لا ينهار دفعة واحدة… بل يُحتَضر بهدوء، أمام أعين المؤسسات التي اختارت أن تضع مستحقاته في خانة “قيد الدراسة”.