تتوالى تصريحات وزير الصحة والحماية الاجتماعية، أمين التهراوي، حول “الحاجة الملحّة” إلى الأطر الصحية، ولا سيما الأطر التمريضية، باعتبارها الركيزة الأساسية لإنجاح الأوراش الصحية والاجتماعية الكبرى.
غير أن الواقع يكشف مفارقة صارخة بين الخطاب والممارسة، إذ يعيش مئات خريجي معاهد تكوين الممرضين على وقع بطالة متنامية، تعصف بأحلامهم وتناقض شعارات الإصلاح.
بحسب معطيات التنسيقية الوطنية لطلبة وخريجي المعاهد العليا للمهن التمريضية وتقنيات الصحة، فإن بطالة الخريجين لم تعد حالة فردية عابرة، بل تحوّلت إلى ظاهرة مقلقة، خصوصًا في بعض الشعب التي لا يتجاوز عددها أصابع اليد، على رأسها تخصص “الممرض في صحة الأسرة والصحة الجماعاتية”، حيث تجاوز عدد العاطلين 160 خريجًا، فضلاً عن 80 عاطلًا في تخصص الصحة النفسية، وأكثر من 30 في الترويض الطبي، رغم ندرتهم في المستشفيات المغربية.
وتسجّل التنسيقية أرقامًا موازية في تخصصات أخرى، منها المساعدون الطبيون والاجتماعيون (أكثر من 60 عاطلًا)، وممرضو الشيخوخة، وممرضو غرف العمليات الجراحية، وتصفية الدم والكلى، وكلها تخصصات تُعاني مفارقة لافتة: الحاجة إليها قائمة، لكن المناصب المالية المخصّصة لها شحيحة إلى حد يثير التساؤلات حول أولويات التخطيط الصحي.
اللافت، بحسب ممثلي الخريجين، أن المباريات التي تعلنها الوزارة لا تكاد تمتص جزءًا يسيرًا من جيوش العاطلين، حتى في التخصصات الأكثر طلبًا على مستوى البنيات الاستشفائية.
ففي شعبة صحة الأسرة والصحة الجماعاتية، على سبيل المثال، ظل 75 خريجًا دون عمل بعد آخر مباراة، لينضاف إليهم 500 خريج جديد، ما رفع عدد العاطلين في هذا التخصص إلى 575 شخصًا في ظرف سنة واحدة.
المفارقة الأكبر، التي تصفها التنسيقية بـ”السياسة المربكة”، تكمن في أن الوزارة تضاعف عدد المقاعد المخصصة للطلبة الجدد في معاهد التكوين، في الوقت الذي تعجز فيه عن توفير مناصب مالية كافية لاستيعاب الخريجين الحاليين.
وهي سياسة لا تؤدي سوى إلى تراكم البطالة المقنّعة، وإهدار الطاقات البشرية المؤهلة، التي يفترض أن تكون في قلب أي إصلاح صحي جاد.
إن استمرار هذا النهج يطرح سؤال المصداقية على الحكومة ووزارة الصحة معًا: كيف يمكن الحديث عن سدّ الخصاص، بينما يُترك الخريجون في طوابير الانتظار بلا أفق مهني واضح؟ وكيف يمكن بناء منظومة صحية قوية، إذا كانت اليد العاملة المؤهلة خارج الخدمة، فيما المشاريع المعلنة تُسوَّق على أنها إنجازات مكتملة؟
في النهاية، تبقى القضية اختبارًا حقيقيًا لمدى التزام السياسات العمومية بالربط بين التكوين والتشغيل، بعيدًا عن لغة الأرقام التي قد تلمّع الإنجازات على الورق، لكنها لا تغيّر واقع الممرض العاطل ولا المريض الباحث عن رعاية عاجلة.