كشفت مصادر إعلامية أن وزارة الفلاحة أعلنت عن حصيلة جديدة لإحصاء القطيع الوطني، وصلت إلى 32.832.573 رأسا. وتوزعت هذه الأرقام بين الأغنام (23.158.248)، الماعز (7.474.172)، الأبقار (2.094.109) والإبل (106.044).
للوهلة الأولى تبدو الأرقام ضخمة ومبشرة، لكنها تخفي وراءها معضلة سياسية واقتصادية عميقة: أي واقع يعكسه هذا القطيع؟ وأي منهجية اعتمدتها الوزارة لتصل إلى هذه الحصيلة “المعجزة”؟
اللافت أن هذه الأرقام جاءت في تعارض صارخ مع ما صرّح به وزير الفلاحة أحمد البواري يوم 13 فبراير 2025، أي قبل حوالي ستة أشهر فقط.
ففي ذلك التاريخ، وخلال ندوة صحفية أعقبت انعقاد مجلس الحكومة، أكد الوزير أن المغرب فقد 38% من قطيعه الوطني مقارنة مع سنة 2016، وهو ما يعادل حوالي 13 مليون رأس.
حينها استند الوزير إلى خطاب الأزمة، مقدّماً صورة قاتمة عن أوضاع الماشية في البلاد، وممهّداً بذلك لسياسات الدعم والاستيراد التي أرهقت ميزانية الدولة وأثقلت جيوب المستهلكين.
لكن كيف يُعقل أن ينتقل المغرب في ظرف نصف سنة فقط من فقدان ثلث قطيعه الوطني إلى تسجيل رقم “قياسي” يفوق ما كان متوفراً حتى سنة 2021؟ هل نحن أمام طفرة بيولوجية خارقة؟ أم أمام لعبة أرقام تُصاغ في المكاتب أكثر مما تُحصى في الحقول والمراعي؟
هذا التضارب يكشف بوضوح إشكالاً في صدقية الخطاب الرسمي. فإذا كان الوزير قد أعلن بنفسه انهيار القطيع، فكيف تبرر وزارته اليوم تضاعف الأعداد وكأنها وُلدت من العدم؟ أليس من حق الرأي العام أن يسائل المسؤولين عن مصادر هذه المعطيات ومنهجية إحصائها؟ أم أن القطيع صار مجرد ورقة سياسية للتبرير حيناً وللتسويق حيناً آخر؟
رشيد حموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، كان من أوائل من نبهوا إلى هذه الفجوة، مؤكداً أن عملية الإحصاء السابقة شابتها اختلالات، من بينها الاعتماد على تصريحات شفوية للفلاحين دون اعتماد أدوات إحصاء علمية دقيقة.
وهو ما يجعل الأرقام الجديدة بدورها محل شك، ما دامت الوزارة لم تكشف عن تفاصيل العملية ولا عن الجهات التي أشرفت عليها فعلياً.
الأرقام، في النهاية، ليست مجرد تفاصيل تقنية. إنها أساس السياسات العمومية.
فإذا كانت مغلوطة، فإنها تقود إلى قرارات مغلوطة في الدعم، في الاستيراد، وفي تدبير السوق. لذلك، فإن الخطر لا يكمن فقط في التناقض بين تصريحات الوزير ومعطيات وزارته، بل في غياب الشفافية الذي يحوّل القطيع إلى معطى افتراضي يُستدعى عند الحاجة لتبرير القرارات، في حين يبقى الفلاح البسيط والمستهلك العادي أكبر المتضررين من هذه السياسات المتناقضة.
يبقى السؤال مفتوحاً: هل نعيش معضلة في تربية الماشية، أم أننا أمام أزمة في تربية الأرقام نفسها؟