مع اقتراب الانتخابات، يطفو السؤال الكبير: هل سيواصل التحالف الثلاثي ـ التجمع الوطني للأحرار، الأصالة والمعاصرة، وحزب الاستقلال ـ مساره بنفس التشكيلة، أم أن الصندوق سيقول كلمته ويعيد توزيع الأدوار؟
هذا التحالف لم يولد من رحم مشروع إصلاحي واضح، بل من زواج مصلحة مكشوف. الأحرار جاؤوا بآلة المال والإعلام، البام بوزن انتخابي يحتاج إلى سند، والاستقلال بشرعية تاريخية وقواعد اجتماعية. وما جمعهم في الأصل لم يكن رؤية وطنية بقدر ما كان تقاسم حقائب وضبط توازنات.
البلاغات الحكومية رددت لغة الأرقام والإنجازات، لكن الواقع رسم لوحة أخرى: غلاء خانق ينهك المواطن، احتجاجات متواصلة في الشارع، ارتباك في الصحة والتعليم، وأزمة ماء تفضح حدود التدبير. بينما الورق يتحدث عن النمو، الأسواق تتحدث عن العجز.
صورة الحكومة ازدادت هشاشة مع الفضائح والاعتقالات. تقارير الحسابات فضحت تدبير جماعات يقودها الأحرار. البام وجد نفسه في قلب محاكمات لرؤساء جماعات بتهم الرشوة وتبديد المال العام. الاستقلال بدوره تورط في ملفات عقارية وصفقات مشبوهة. وهكذا، شعارات النزاهة اصطدمت بالواقع الصلب.
رئيس الحكومة عزيز أخنوش تحول إلى رمز معضلة تضارب المصالح. رجل أعمال يحتكر المحروقات والمواد الأساسية، وفي الوقت ذاته يرسم السياسات التي تضبط أسعارها. كيف يمكن إقناع المواطن بأن الإصلاح جاد، والحَكم هو نفسه المستفيد؟
الأصالة والمعاصرة عاش ارتباكاً داخلياً. عبد اللطيف وهبي أشعل الجدل بتصريحاته وقراراته، من ملف القضاء إلى مباريات المحاماة. غير أن الحزب وجد سنداً في فاطمة الزهراء المنصوري، الوجه الصلب الذي حافظ على توازن الحزب. لكن تسريبات “جبروت” حول ممتلكاتها وثرواتها ـ رغم نفيها واعتبارها حملة استهداف ـ تركت أثرها على الرأي العام، وأدخلت الحزب في دوامة جديدة من الشكوك.
حزب الاستقلال، بحجمه التاريخي، بدا ذائباً داخل التحالف. وزراؤه تلقوا انتقادات عنيفة، خاصة في ملف الماء والتجهيز. الأزمة المائية كشفت أن الحزب لم ينجح في فرض رؤية استراتيجية، وفقد جزءاً من بريقه كقوة متمايزة.
ومع اقتراب موعد الصندوق، تظهر الأحزاب الثلاثة مثقلة بتركة ثقيلة. الأحرار مرتبطون بصورة أخنوش وتضارب مصالحه. البام مثخن بصراعاته الداخلية وتسريبات “جبروت”. الاستقلال محاصر بذوبانه وفقدان استقلاليته.
السيناريو الأقرب أن التحالف سيحاول الاستمرار، حفاظاً على التوازنات. لكن كلمة الفصل لن تكون في البلاغات ولا في الأرقام، بل في الصندوق. والمغاربة اليوم لا يزنون الأحزاب بما تكتب، بل بما يلمسون من تغيير في حياتهم اليومية.
في النهاية، التحالف الثلاثي ليس أكثر من عنوان مرحلة تُدار بمنطق المناورة وتقاسم النفوذ. والسؤال الذي يفرض نفسه: هل يمنحه الصندوق حياة جديدة، أم يعلن نهاية زواج المصلحة؟
