لم يعد الخوف من المرض وحده ما يلاحق المواطن المغربي، بل أصبح المستشفى نفسه مصدر رعب. في أكادير، حيث يقبع مستشفى الحسن الثاني شاهداً على أعطاب المنظومة الصحية، خرج صوت من الداخل، طبيب عاش خمس شهور بين جدرانه، ليقول بجرأة ما يتهامس به الجميع: الناس ولات كتخاف تجي للسبيطار حيت خايفه تموت هنايا.
كشف الطبيب أن أقساماً جاهزة منذ سنوات – غرف العمليات، التجهيزات، الطابليات، وحتى الأجنحة – ما زالت مغلقة بلا سبب منطقي، سوى رغبة معلنة في انتظار لحظة سياسية مناسبة لقص الشريط الأحمر. “الإيغو” هنا أهم من أرواح الناس؛ كأن الصحة تحوّلت إلى ديكور انتخابي يُستعمل في “الفان دو موند” للحكومة.
يقول الطبيب إن أبسط الأدوية الحيوية مثل “البروبوفول” عرفت انقطاعات متكررة، ما جعل المرضى والأطر يواجهون لحظات عصيبة.
ورغم احتجاجات المواطنين أمام باب السبيطار، فضّل الصمت لوقت طويل حتى لا “يكبر الموضوع”، قبل أن يكتشف أن الصمت أخطر من الكلام.
هو لم يكتفِ بالتشخيص، بل وجّه رسالة مباشرة للوزير التهراوي: تعالوا سيفيل، بلا كوسطورات، بلا مسرحيات. عيشوا الواقع كما هو، ثم اكتبوا تقاريركم.
أما لرئيس الحكومة فكان الخطاب أكثر حدّة: السياسة ليست تبليط كورنيش ولا قصّ شريط على باب فيرمون، السياسة الحقيقية هي مواجهة “المشاكل الفري” – مشاكل الأرواح التي تُزهق بصمت.
مفارقة مريرة: الملايين صُرفت، البنايات ارتفعت، الأقسام جهزت، ومع ذلك ما زال المستشفى الكبير الجديد في أكادير ينتظر ساعة الصفر.
ليست ساعة لافتتاح تقني، بل ساعة سياسية محسوبة، حتى يُقال لاحقاً: “أخنوش هو اللي دار السبيطار”. الطبيب يفكك هذا الوهم: المستشفيات لا يبنيها السياسيون، بل يبنيها المال العام، والكوادر الطبية، والمواطنون الذين يمولونها من ضرائبهم.
حين تتحوّل صحة الناس إلى ورقة انتخابية، يصبح السؤال أكبر من مجرد تأخير في فتح جناح أو نقص في دواء. إنه سؤال الدولة التي تضع صحة مواطنيها في آخر سلم الأولويات، وتترك الخوف يتسلل إلى قلوبهم قبل أن يدخلوا باب المستشفى.
صوت الطبيب ليس صرخة فردية، بل شهادة تاريخية: نحن أمام مشهد تتقاطع فيه التقنية مع السياسة، وحيث يصبح المستشفى رهينة “إيغو” حكومي، بدل أن يكون ملاذاً آمناً لإنقاذ الأرواح.