لم يكن طرد ستة عشر طفلاً من مقاعد الدراسة بمدرسة تابعة لجامعة الأخوين بإفران مجرد نزاع إداري بين إدارة مؤسسة وأولياء أمور غاضبين؛ بل هو جرح مفتوح في جسد المنظومة التعليمية المغربية، يفضح هشاشة الإطار القانوني الذي يفترض أن يحمي حق التلميذ في التمدرس، ويكشف عجز الحكومة عن التدخل لفرض سلطة الدستور.
فالدستور المغربي، في فصله الحادي والثلاثين، ينص بوضوح على أن الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية مطالبة بتعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير استفادة المواطنات والمواطنين من الحق في الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة، ومع ذلك، يجد أبناء ستة عشر أسرة أنفسهم اليوم خارج المدرسة، لا لشيء سوى لأن أولياءهم تجرؤوا على الاعتراض على زيادات اعتُبرت غير مبررة في رسوم التمدرس وصلت في بعض الحالات إلى 200%.
القضية لم تقف عند حدود نزاع داخلي، بل وصلت إلى مكاتب الوزراء المعنيين: التربية الوطنية، التعليم العالي، الأوقاف، وحتى عامل الإقليم ووالي الجهة، غير أن كل هذه الرسائل ووجهت بصمت ثقيل، وكأن الحكومة تضع سدادات في أذنيها لتتجاهل نداءات الأسر.
كيف يمكن لحكومة تُنفق المليارات على مخططات إصلاح التعليم أن تتجاهل أزمة تهدد مستقبل أبرياء لم يطلبوا سوى حقهم الدستوري في التعلم؟ الأخطر أن الواقعة تعري واقعاً أعمق: فوضى قطاع التعليم الخاص، الذي صار يفرض رسومه بمعزل عن أي مراقبة أو محاسبة، ويستقدم أحياناً مسؤولين أجانب بلا احترام للمقتضيات القانونية، كما هو حال مدير المدرسة “إيمانويل لاكوست” الذي لا يحمل الجنسية المغربية، في خرق للمادة العاشرة من المرسوم رقم 2.00.1016.
هنا تُطرح أسئلة معلقة: أين وزارة التربية الوطنية من كل هذا؟ وأين آليات المراقبة التي يُفترض أن تضمن حماية القانون للتلاميذ وأسرهم؟ الأدهى أن المدير المذكور، الذي قُدم على أنه ضابط سابق في قوات المارينز، يتعامل مع المؤسسة كأنها ثكنة عسكرية، يفرض قراراته الفردية، يهدد ويبتز، ويقصي كل صوت معارض.
فهل هذا هو النموذج التربوي الذي تقبل حكومة المغرب باستنساخه داخل مؤسساتها التعليمية؟ لا يتعلق الأمر إذن بمدرسة الأخوين وحدها، بل بمنظومة كاملة تُسلم مستقبل أبناء المغاربة إلى إدارة فردية متسلطة، وتسمح بانتهاك صريح للدستور.
الدولة مسؤولة، والحكومة معنية، والوزراء المعنيون يتحملون وزر صمتهم، لأن الحق في التعليم ليس منّة من مؤسسة خاصة، بل هو التزام دستوري على عاتق الدولة.
قضية طرد ستة عشر طفلاً من مدرسة الأخوين ليست حادثاً عرضياً، بل إنذار مبكر يفضح اختلالات قطاع حساس، ويؤكد أن أزمة التعليم في المغرب ليست فقط في المناهج ولا في الأطر، بل في غياب المحاسبة، وتفشي منطق الصفقات والمصالح، وصمت حكومة فضّلت لغة الأرقام على لغة الدستور.