صادق مجلس الحكومة، الخميس 11 شتنبر 2025، على مرسوم يقضي بإعادة تنظيم المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان، وإلحاقها مباشرة برئاسة الحكومة بعدما كانت تحت وصاية وزارة العدل.
خطوة تبدو في ظاهرها تقنية، لكنها في العمق تحمل رسائل سياسية أوضح من أن تخفى: ملف حساس بحجم حقوق الإنسان يُنتزع من يد عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، ليصبح تحت سلطة رئيس الحكومة.
الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، قدّم المرسوم بلغة مألوفة: “تعزيز مكانة المندوبية كآلية مرجعية”، “مواكبة التزامات المملكة الدولية”، “تثمين الخبرات الوطنية”، و”تقاسم الممارسات الفضلى”. خطاب يبدو أنيقاً، لكنه يظل في حدود التفسير الإداري والدبلوماسي.
غير أن القراءة السياسية للقرار تختلف: الحكومة سحبت من وهبي ورقة حقوق الإنسان بعدما أثبتت التجربة أن وزارة العدل لم تستطع تحويل المندوبية إلى فاعل حقيقي، بل ظلت مجرد مكتب تابع لإيقاع الوزير.
الهيكلة الجديدة، التي قُسمت إلى أربع مديريات (التقارير الوطنية والتتبع، الدراسات والتعاون الدولي، المجتمع المدني، والميزانية والموارد)، قد تعكس رغبة في “تجويد الشكل”، لكن السؤال الجوهري يظل مطروحاً: هل المشكل كان في غياب الهيكلة، أم في غياب الاستقلالية والجرأة؟ وما معنى أن يصبح “المراقِب” جالساً بجانب “المراقَب”، في قلب رئاسة الحكومة؟ منذ بداية ولايته، بدا أن وهبي عاجز عن الإمساك بملفات حقوق الإنسان الثقيلة، سواء بسبب ضعف حضوره السياسي، أو بسبب طغيان ملفات العدالة الجنائية والقوانين المثيرة للجدل.
نقل المندوبية من وصايته إلى رئاسة الحكومة يُقرأ، إذن، كإعلان رسمي عن فشل وزارة العدل في أن تكون مرجعاً حقوقياً، وتأكيد على رغبة الحكومة في التحكم المباشر في الخطاب الحقوقي الموجّه إلى الخارج.
الخطاب الرسمي يركز على “التزامات المغرب الدولية”، لكن الواقع الميداني يطرح معادلة أخرى: تقارير تُرسل إلى جنيف وبروكسيل، بينما أصوات مواطنين في الداخل ما تزال تُواجه بالتأجيل أو الصمت.
هنا، يبرز السؤال الحاد: هل المندوبية ستظل مجرد “مكتب ترجمة” يلمّع صورة الدولة في المحافل الأممية، أم ستتحول إلى آلية قادرة على مواجهة الملفات الحارقة في الداخل، من حرية التعبير إلى الحق في التنظيم والعدالة الاجتماعية؟ نقل المندوبية من وزارة العدل إلى رئاسة الحكومة قد يبدو شكلاً من أشكال الارتقاء، لكنه في العمق تجسيد لصراع مواقع داخل الجهاز التنفيذي.
وهبي خرج خالي الوفاض، ورئاسة الحكومة ربحت ورقة إضافية في إدارة ملف يُستعمل في الخارج كعنوان للالتزام، وفي الداخل كوسيلة للتجميل السياسي.