حين خرج وزير الصحة والحماية الاجتماعية، أمين التهراوي، ليعلن إعفاء المديرة الجهوية للصحة بسوس ماسة ومدير المستشفى الجهوي الحسن الثاني بأكادير، بدا المشهد وكأنه عملية جراحية متأخرة لمريض ظل ينزف طويلاً بلا إسعاف.
قرارات الإعفاء وفسخ عقود شركات النظافة والحراسة والاستقبال جاءت في سياق ضغط اجتماعي متصاعد، بعد أن تحوّل المستشفى إلى عنوان بارز لفشل المنظومة الصحية، وإلى ساحة احتجاجات غاضبة فضحت واقع الإهمال.
كشفت مصادر إعلامية أن الوزير نفسه اعترف بوجود “اختلالات ملموسة” على مستوى التجهيزات والخدمات والتسيير، من غياب الصيانة إلى نقص الأدوية وتعطل الأجهزة الطبية.
غير أن السؤال الذي يتفاداه الجميع هو: أليس الوزير ذاته المسؤول الأول عن القطاع؟ كيف له أن يقدّم نفسه اليوم في موقع المنقذ، بينما يوقّع بيده على صك اعتراف بفشل وزارته في مواكبة أبسط الحاجيات؟
إن تحميل المديرين الجهويين والإقليميين مسؤولية الانهيار قد يهدئ الرأي العام مؤقتاً، لكنه لا يلغي الحقيقة الواضحة: أن السياسات الصحية التي يقودها الوزير ومن خلفه الحكومة هي أصل الداء.
فالإعفاء لا يُعفي الوزير من محاسبته، ولا يبرئ ذمة مسؤول وُضع في منصبه ليُصلح لا ليكتفي بتدوير الكراسي.
الأخطر أن الإعفاءات تأتي مقرونة بصفقات استعجالية جديدة: عقود صيانة مؤقتة، سكانير مستورد على عجل، وشركات بديلة ستُنتدب بشروط “معايير دقيقة”.
أليست هذه الوصفة ذاتها التي أدخلت المنظومة في حلقة فساد وسوء تدبير منذ سنوات؟ أليس الخطر أن يتحول الإعفاء إلى مجرد إعادة توزيع للغنائم بدل إصلاح حقيقي؟
إن التضامن الذي عبّر عنه الوزير مع ساكنة أكادير لا يكفي. فالساكنة لا تحتاج إلى كلمات مواساة، بل إلى نظام صحي يليق بكرامة الإنسان.
التضامن الحقيقي كان يستوجب شجاعة سياسية أكبر: أن يعلن الوزير استقالته، أو على الأقل أن يعترف أن فشل أكادير ليس استثناءً، بل مرآة تعكس وضع الصحة في المغرب كله.
الإعفاءات قد تبدو قرارات جريئة، لكنها تظل أقرب إلى مسرحية لإخماد غضب الشارع، لا إلى إصلاح جذري.
والوزير الذي يتحدث عن “ورش استعجالي” هو نفسه من ترك الورش يتداعى حتى صار خراباً.