أكّد وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت أن التدخلات الأمنية التي تُباشرها السلطات ضد مقاهي الشيشة تهدف إلى حماية النظام العام بمختلف مكوناته، بما يشمل الأمن والصحة العمومية والسكينة العامة.
وأوضح أن هذه الإجراءات تتم وفق القانون، وأن أي خطوة نحو تقنين هذا النشاط تقتضي تنسيقاً بين مختلف القطاعات، في إطار مقاربة تشاركية تراعي الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية إلى جانب الاعتبارات الصحية.
لكنّ الواقع الميداني يكشف صورة مختلفة عن الخطاب الرسمي. ففي حين تتواصل عمليات الإغلاق وتشميع المحلات في مدن كبرى مثل الرباط والدار البيضاء ومراكش، تظل مدينة سلا، وتحديداً مارينا سلا، استثناءً بارزاً. فهناك تُقدَّم الشيشة بشكل علني ومنتظم، دون أن تُسجَّل تدخلات أمنية مشابهة لما يحدث في مدن أخرى.
المصادر المحلية تؤكد أن أبرز المقاهي التي تنشط في هذه المنطقة تعود ملكيتها إلى الإخوة أبو زعيتر، وهو ما يثير موجة من التساؤلات حول مدى حياد السلطات في تطبيق القانون.
كيف يمكن الحديث عن صرامة في مواجهة الظاهرة بينما يُسمح لمقهى واحد بالعمل بشكل اعتيادي، في وقت تُفرض فيه إجراءات قاسية على مقاهٍ أخرى لا تملك الحظوة نفسها؟
هذا التناقض يعكس حالة من الازدواجية في التعاطي مع الملف. فمن جهة، يُصرح المسؤول الأول عن الداخلية بأن الهدف هو حماية الصحة العمومية والتصدي للتجاوزات المرتبطة بالشيشة، ومن جهة أخرى، يظهر على الأرض أن بعض الفضاءات تحظى بمعاملة خاصة تجعلها عملياً خارج نطاق الرقابة.
الانعكاسات تتجاوز مجرد جدل محلي غياب وضوح في تطبيق القانون يضرب في العمق مبدأ المساواة أمامه، ويخلق شعوراً متزايداً لدى المواطنين بأن النصوص القانونية قد تُطبَّق بانتقائية، وفق معايير لا علاقة لها بالمصلحة العامة.
في الوقت ذاته، يؤثر هذا الوضع على الثقة في المؤسسات، إذ يرى الرأي العام أن هناك فجوة واسعة بين ما يُقال في الخطاب الرسمي وما يُمارس في الواقع اليومي.
كما أن استمرار هذه الانتقائية يُكرّس صورة اقتصاد رمادي قائم على الاستثناءات والامتيازات، بدل أن يُرسخ نموذجاً واضحاً وشفافاً للتدبير.
والمفارقة أن هذا يحدث في لحظة حساسة، حيث يستعد المغرب لاستقبال تظاهرات رياضية وسياحية كبرى يفترض أن تُقدّم البلاد كوجهة منظمة تحترم القانون وتطبق قواعد موحدة.
الرسالة التي تخرج من هذا المشهد تبدو ملتبسة: هناك قوانين تُصاغ وتُعلن بصوت مرتفع في الخطاب الرسمي، لكن حين يصل الأمر إلى الميدان، تُترك بعض الفضاءات خارج المعادلة وكأنها تتمتع بحصانة غير معلنة. وهو ما يجعل السؤال قائماً بإلحاح: هل يتعلق الأمر فعلاً بحماية الصحة العمومية كما جاء على لسان الوزير، أم أن الشيشة تحولت إلى نشاط تُدبَّر قواعده وفق منطق الامتيازات المحروسة؟
