أطلقت السلطات الفرنسية إنذاراً صحياً عاجلاً، بعدما كشفت التحاليل المخبرية عن تلوث شحنة من الزيتون الأخضر الكامل المستورد من المغرب بمبيد “كلوربيريفوس-إيثيل”، وهو مبيد محظور أوروبياً منذ سنة 2020 لما له من تأثيرات سامة على الصحة العامة.
وأكد نظام الإنذار السريع للأغذية والأعلاف في الاتحاد الأوروبي أن تركيز المادة بلغ 0.030 ملغم/كغم، أي ثلاثة أضعاف الحد الأقصى المسموح به، ما دفع وزارة الزراعة الفرنسية إلى التحرك بسرعة عبر سحب المنتوج من الأسواق وإطلاق حملة لاستدعائه من المستهلكين، مع التأكيد أن الشحنة لم تغادر التراب الفرنسي.
القضية في ظاهرها تقنية وصحية، لكنها في عمقها تعيد إلى الأذهان تصريحاً مثيراً للجدل أدلى به وزير الفلاحة أحمد البواري قبل أشهر، حين قال إن الزيتون المعلب “غير مطلوب لدى المستهلك المغربي” ، مبرراً بذلك توجيه المنتوج نحو التصدير.
يومها بدا وكأن الوزير يقسّم السوق إلى مستهلك محلي من الدرجة الثانية لا يستحق الجودة، وأسواق خارجية تُعطى لها الأولوية باسم العملة الصعبة والتنافسية.
واليوم، وبعد أن اتجه المنتوج نحو الخارج، لم يُستقبل هناك كرمز للتفوق، بل صُنّف خطراً على الصحة وسُحب من الرفوف على عجل.
الزيتون في المغرب ليس مادة ثانوية، بل محصول استراتيجي يغطي أزيد من 65 في المائة من المساحات المزروعة بالأشجار المثمرة، ويوفر مورد رزق لآلاف الفلاحين الصغار، ويساهم بما يفوق سبعين ألف طن سنوياً من الزيتون المعلب في الصادرات الموجهة أساساً لأوروبا وأمريكا.
ومع ذلك، يبقى المستهلك المغربي الحلقة الأضعف: الأسعار مرتفعة، الجودة الموجهة للتصدير نادراً ما يجدها في أسواقه، والفلاح الصغير لا ينال إلا فتات الأرباح، بينما الوسطاء والمصنّعون يراكمون هوامش مرتفعة.
فضيحة الزيتون المسموم لا تعني فقط شحنة محدودة، بل تمس صورة “صنع في المغرب” برمتها.
فالتصدير ليس مجرد أرقام في تقارير رسمية، بل رأسمال معنوي قائم على الثقة والالتزام الصارم بمعايير الجودة.
أي إخلال في هذه السلسلة يتحول إلى إنذار صحي يسيء للبلاد، ويضعف تنافسية قطاع يفترض أنه ركيزة أساسية في السياسة الفلاحية.
المفارقة صادمة: زيتون قيل إنه غالي على المواطن المغربي خرج في النهاية رخيصاً أمام اختبارات أوروبا.
منتوج لم يذقه المغاربة ولم يقبله الأوروبيون، وصورة بلد يفاخر بالصادرات لكنه ينسى أن الجودة تبدأ أولاً من احترام المستهلك الداخلي قبل إرضاء الأسواق الخارجية.
