لم يكن أكثر المتشائمين يتوقع أن تتحول ما وُصفت بـ”حكومة الكفاءات” إلى عنوان للعجز وفقدان البوصلة. فقد انكشف، في لحظة سياسية فارقة، ضعفها البنيوي في أبسط أدوات الحكم: القدرة على الإصغاء والقدرة على مخاطبة شعبها.
من اعتراف الناطق الرسمي مصطفى بايتاس بجهله لمطالب جيل Z، إلى خرجات وزراء مرتبكة لا تزيد سوى صبّ الزيت على النار، وجدت البلاد نفسها أمام سلطة تُثير السخرية أكثر مما تبعث على الطمأنينة.
جيل Z لم يعد يتحدث بلغة الشكوى، بل بلغة الدستور: ربط المسؤولية بالمحاسبة، مساءلة علنية للوزراء، وكشف الصناديق السوداء التي ظلّت لعقود في مأمن من الضوء.
غير أنّ الحكومة، التي رُوّج لها باعتبارها حكومة خبراء، أثبتت أنها لا تُجيد إلا صناعة الأزمات عبر صمت ثقيل أو خطاب متعثر يعمّق الهوة بين السلطة والمجتمع.
لقد أُعطيت لهذه الحكومة فرصة لتبرهن أن الكفاءة ليست مجرد شعار انتخابي، بل فعلٌ يُقاس بالنتائج. لكنها فضّلت الاحتماء وراء أرقام جافة وبلاغات تقنية خاوية، بدل مواجهة الواقع بشجاعة سياسية.
وهكذا، تحوّل وعد “الكفاءات” إلى وهمٍ، وسقطت ورقة التوت عن سلطة أرهقتها لغة التبرير وعجزت عن صناعة الأمل.
إنّ ما يجري اليوم لا يخص جيل الشباب وحده، بل يخص مستقبل التعاقد السياسي في المغرب. فحين يفقد المجتمع ثقته في خطاب حكومته، يتحول الاحتجاج إلى لغة بديلة، ويغدو الصمت الرسمي أقرب إلى إعلان عجز معلن.
وفي زمن الأزمات، لا يُقاس الحاكم بما يَعِد، بل بما يَفي؛ ولا تُحاكَم الحكومات بما تكتبه في بلاغاتها، بل بما يكتبه التاريخ عنها في ذاكرة الشعوب.
