يشهد المغرب منذ أسابيع موجة احتجاجاتٍ شبابية متصاعدة، تعكس عمق التحوّل السياسي والاجتماعي الذي تعرفه البلاد.
أصوات جيلٍ جديد تعبّر عن غضبٍ مدني من تراكمات الوعود المؤجلة وغياب العدالة الاجتماعية، في لحظةٍ تُعيد فيها الشوارع رسم حدود الثقة بين الدولة والمواطن.
المشهد المغربي يزداد سخونة يوماً بعد يوم، والشارع يغلي بصوت جيلٍ جديد لا يطالب بالفتات بل بالكرامة، لا يصرخ من أجل الدعم بل من أجل العدالة.
مساء اليوم الأحد، أعلن نزار بركة، وزير التجهيز والماء والأمين العام لحزب الاستقلال، خلال ظهوره على القناة الثانية، عن لقاء مرتقب للأغلبية الحكومية يوم غدا الاثنين، سيخصص بحسب تصريحه لـ “مناقشة تدابير استعجالية استجابة لمطالب المحتجين”.
لكن بين “الاستعجال” و”الاستفاقة المتأخرة”، تقف الحكومة أمام سؤالٍ أكبر من قدرتها على الإجابة: هل يمكن لإجماعٍ حزبي أن يُرمم ما هدمته سنوات من الوعود المؤجلة، ومن الخطابات التي فقدت مصداقيتها؟
الاحتجاجات التي تعمّ المدن المغربية منذ أسابيع لم تعد مجرد حركات مطلبية، بل صارت تعبيراً عن أزمة سياسية عميقة. الشباب الذين يقودونها يرفعون شعاراً دستورياً صارخاً: ربط المسؤولية بالمحاسبة.
وهم لا يطالبون بتصحيح السياسات الاجتماعية فقط، بل بمحاسبة حقيقية تعيد للدولة هيبتها الأخلاقية قبل صورتها السياسية.
قيادات الأحزاب الثلاثة المكوِّنة للأغلبية الأحرار، الأصالة والمعاصرة، والاستقلال تدرك أن الشارع لم يعد يصدّق لغة الأرقام ولا يطمئن لبلاغات الاجتماعات.
فجيل Z الذي صاغ خطابه على مواقع التواصل وفي ساحات المدن، أصبح يفرض أجندته على المشهد السياسي بوعيٍ غير مسبوق، وبلغةٍ تتجاوز الإيديولوجيات القديمة.
ما سيجري يوم الاثنين ليس مجرد لقاء حزبي، بل اختبارٌ مصيري لمدى استعداد الأغلبية للاعتراف بأن الأزمة سياسية قبل أن تكون اجتماعية.
فهل تملك الشجاعة لقول الحقيقة أمام نفسها قبل أن تقولها للشارع؟ وهل تكفي “التدابير الاستعجالية” لتجاوز أزمة ثقةٍ أصبحت بنيوية في العلاقة بين الدولة والمواطن؟
جيل الشباب لا يريد “قراراتٍ سريعة”، بل يريد تحولاً عميقاً في منطق الحكم. يريد رؤية مسؤولين يستقيلون حين يفشلون، لا حين يُطلب منهم الصمت.
يريد نهاية زمن الحصانات وبداية زمن الشفافية.
المغرب اليوم لا يحتاج إلى تدابير استعجالية بقدر ما يحتاج إلى صحوة سياسية.
لأن الشارع، ببساطة، لم يعد ينتظر من الحكومة أن تُنقذ نفسها، بل أن تُنقذ الوطن من عجزها.
