من الأزقة الشعبية لحيّ يعقوب المنصور في العاصمة الرباط، صعد نجمُ مسؤولٍ شابٍ بخطىٍ محسوبة نحو واجهة الحكم، ليصبح أحد أبرز الوجوه في المشهد الحكومي الجديد.
مسارٌ سياسيٌّ قصير لكنه لامع، صاغه مزيجٌ من الحضور الإعلامي والعلاقات الوازنة داخل دوائر القرار.
غير أن وراء هذا الصعود السريع، تتخفى قصةٌ أكثر تعقيدًا، تتعلق بمشروع السيارات الكهربائية Neo Motors، الذي قُدِّم للرأي العام سنة 2023 بوصفه “أول علامة مغربية مائة في المائة”.
يومها، احتفت الحكومة بالحدث واحتفى الإعلام الرسمي بالإنجاز، حين عُرضت سيارة رمزية أمام الملك محمد السادس في مشهدٍ بدا وكأنه إعلان عن ولادة صناعةٍ وطنيةٍ جديدة.
لكن بعد مرور الوقت، بدأت الأسئلة تتكاثر أكثر من الأجوبة.
تشير معطيات استثمارية إلى أن المشروع استفاد من اتفاقية بقيمة 50 مليون يورو، مع وعدٍ بتوفير 600 منصب شغل مباشر في مصنعٍ بضواحي عين عودة (Aïn Aouda)، غير أن حصيلة التنفيذ بقيت غامضة: أين خطوط الإنتاج الموعودة؟ أين الأثر الصناعي الذي تم التبشير به؟ وأين تقف وعود التشغيل في بلدٍ يزداد فيه نزيف البطالة؟
في الأوساط الاقتصادية، يثار تساؤل مشروع: من موّل هذا الحلم الصناعي؟
ومن منح مشروعًا خاصًا تلك القدرات التقنية المتقدمة في بلدٍ ما زال يستورد أغلب مكوّناته الصناعية؟
ثم، ما طبيعة العلاقة بين هذا الاستثمار وبين المؤسسات العمومية التي أعلنت دعمه؟
هل نحن أمام شراكةٍ نموذجية بين الدولة والقطاع الخاص، أم أمام تداخلٍ مقلقٍ بين المال العام والمصالح الخاصة؟
تزداد حدة التساؤل حين يُذكر أن المشروع يرتبط بأحد المسؤولين الذين لم يكن لهم قبل دخول الحكومة أي ارتباط بعالم الصناعة أو المال.
فكيف تحوّل في ظرفٍ وجيز إلى مستثمرٍ رئيسي في مشروعٍ بملايين اليوروهات؟
من أين جاء التمويل؟ ومن أين جاءت الخبرة؟
كل هذه الأسئلة لا تُوجَّه بنبرة الاتهام، بل باسم الحق في المساءلة والشفافية، وهما ركيزتان أساسيتان لأي تجربة حكم تراهن على الثقة والمصداقية.
ففي زمنٍ تتشابك فيه الحدود بين السلطة والثروة، يصبح توضيح تلك العلاقات واجبًا أخلاقيًا قبل أن يكون مطلبًا إعلاميًا.
ولعل المفارقة الأكثر رمزية، أن هذه القصة تتقاطع زمنيًا مع سحب مشروع قانون الإثراء غير المشروع من البرلمان، في خطوةٍ أربكت الرأي العام وأعادت فتح النقاش حول تضارب المصالح في أعلى هرم السلطة التنفيذية.
هل كان الأمر محض صدفة؟ أم أن الرياح السياسية لم تعد تحتمل مثل هذه القوانين؟
اليوم، بين يعقوب المنصور حيث البداية، وعين عودة حيث المصنع الموعود، تتقاطع روايتان:
رواية الطموح الفردي، ورواية المال العام.
وفي تقاطع الروايتين، يبقى السؤال معلقًا فوق كل الصور الرسمية والابتسامات الوزارية:
“كيف كنت… وكيف أصبحت؟”
الأسئلة لا تُدين أحدًا، لكنها تُنقذ الحقيقة من الغرق.
وفي بلدٍ يحاول أن يبني اقتصادًا قائمًا على الثقة،
تبقى الشفافية هي الثروة الوحيدة التي لا تُورّث ولا تُشترى.
 
								

