تقرير أممي جديد أعاد تسليط الضوء على واقع الفقر في المغرب، كاشفًا أن 6,4 في المئة من السكان، أي ما يعادل 2,4 مليون شخص، يعيشون فقرًا متعدد الأبعاد، فيما 10,9 في المئة آخرون يقفون على حافة الحرمان.
أرقام تُدرج البلاد ضمن فئة التنمية البشرية المتوسطة، لكنها تكشف عمق الهوة بين النمو الاقتصادي والمؤشرات الاجتماعية، وتعيد طرح السؤال الجوهري: هل تنجح السياسات العمومية في تحويل الثروة إلى رفاهٍ مشترك؟
بحسب تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومبادرة أوكسفورد للفقر والتنمية البشرية، تبلغ كثافة الحرمان لدى الفقراء المغاربة 42 في المئة، أي أنهم محرومون، في المتوسط، من أكثر من أربعة أعشار المؤشرات التي يُقاس بها الفقر في التعليم والصحة ومستوى المعيشة.
وتبرز ضمن الصورة فئةٌ أشد هشاشة تمثل 1,4 في المئة من السكان، يعيش أفرادها حرمانًا يتجاوز نصف المؤشرات العشرة، في تراكبٍ مؤلم بين سوء التغذية وضعف التعليم وغياب الخدمات الأساسية.
يظل التعليم المحرّك الأبرز لخريطة الفقر المغربي، إذ يفسّر 46,8 في المئة من أسبابه، مقابل 28,8 في المئة لمستوى المعيشة و24,4 في المئة للصحة.
هذه المعادلة تختصر مأزقًا وطنيًا عميقًا: الفقر ليس دومًا نقصًا في المال، بل في الفرص.
فمن يُحرم من تعليمٍ جيد، يُقصى من السوق، ويُدفن مستقبله في حلقةٍ مغلقة من التوريث الاجتماعي للحرمان.
وتسجّل القيمة الإجمالية لمؤشر الفقر المتعدد الأبعاد في المغرب 0,027، وهي أقل من المتوسط العربي البالغ 0,072، غير أن التفاوت بين المدن والقرى يكشف عن وجهٍ آخر للمعاناة.
فأكثر من 83 في المئة من الفقراء يعيشون في المناطق القروية، حيث تتقاطع ندرة الماء مع بُعد المدارس والمراكز الصحية وغياب البنيات التحتية.
القسم الثاني من التقرير، المعنون بـ“الأعباء المتداخلة: الفقر ومخاطر المناخ”، يرسم ملامح علاقةٍ متوترة بين الهشاشة الاجتماعية والأخطار البيئية.
نحو 78,8 في المئة من فقراء العالم يعيشون في مناطق تواجه موجات حرارةٍ وجفافًا وفيضاناتٍ وتلوثًا متزايدًا، فيما تتجه الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل ومن بينها المغرب إلى تسجيل ارتفاعٍ أكبر في درجات الحرارة القصوى خلال العقود المقبلة، ما يهدد الأمن الغذائي وسبل العيش، خصوصًا في القرى الزراعية.
ورغم أن المغرب لا يندرج ضمن أكثر الدول هشاشةً مناخيًا، فإن موقعه في شمال إفريقيا يجعله في قلب العاصفة.
التقرير يشير بوضوح إلى أن التقدم الذي أحرزته المملكة بين عامي 2011 و2018 حين نجحت في خفض الفقر في جميع المؤشرات العشرة بدأ يتباطأ بعد عام 2018، تحت وطأة الجائحة وغلاء الأسعار وتغير المناخ.
بين إشادةٍ بإنجازات العقد الماضي وتحذيراتٍ من عودة الفقر بأشكاله الجديدة، يقف المغرب اليوم عند مفترق طرقٍ تنمويٍّ حاسم.
التقرير لا يصدر أحكامًا، لكنه يذكّر بأن الفقر لم يعد مجرد رقمٍ في جدول، بل انعكاسٌ لخيارٍ سياسيٍّ واجتماعيٍّ عميق.
حين تتراجع المدرسة، تتسع الهوة في العدالة الاجتماعية، وحين يشتد المناخ قسوةً، تسقط الفئات الهشة أولًا.
الرهان الحقيقي لا يكمن في خفض المؤشرات على الورق، بل في إعادة تعريف التنمية بما يجعلها أكثر عدلًا للإنسان، وأقل هشاشةً أمام حرارة الكوكب.
