لم يكن المؤتمر الوطني الثاني عشر لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، المنعقد بمدينة بوزنيقة، مجرّد استحقاق تنظيمي عابر، بل محطة تكشف عمق التحوّل الذي أصاب المدرسة الاتحادية في معناها الديمقراطي والرمزي.
فقد صادق المؤتمر على ملتمس المجلس الوطني القاضي بتمديد مهمة الكاتب الأول إدريس لشكر، في خطوة أنهت النقاش الداخلي حول مبدأ التداول على القيادة، لكنها في المقابل فتحت مجدداً جرح الديمقراطية الداخلية في واحدٍ من أعرق الأحزاب المغربية.
جاء القرار بعد المصادقة على تعديل المادة 217 من القانون الأساسي والمادة 212 من القانون الداخلي، بما يجعل «قاعدة التمديد قاعدة عامة تسري على جميع الأجهزة الحزبية من المكتب السياسي إلى الفروع».
تعديلٌ بدا في ظاهره استجابةً لمطلبٍ تنظيمي واسع، لكنه في جوهره أقرب إلى تفصيلٍ قانوني على مقاس زعامةٍ واحدة تختزل التنظيم في شخصها والشرعية في توقيعها.
وهكذا لم يعد التمديد مجرّد إجراء إداري، بل تحوّل إلى فلسفةٍ لإدارة الحزب، حيث يصبح البقاء في القيادة دليلاً على “الاستمرارية”، ويُختزل التداول في شعارٍ بلا ممارسة.
وفي المقابل، أعلنت الكتابة الإقليمية للحزب بفرنسا عن مقاطعتها الرسمية للمؤتمر قبل انطلاقه، احتجاجاً على «انعدام الشروط الديمقراطية والشفافية».
موقفٌ حمل صدى النقد الذاتي الذي ميّز الاتحاد في مراحله التأسيسية، وعبّر عن هوّةٍ متزايدة بين جيلٍ يرى في التمديد حفاظاً على الوحدة، وآخر يراه إعلاناً صريحاً عن نهاية زمن التجديد.
منذ تأسيسه على يد عبد الرحيم بوعبيد، مثّل الاتحاد الاشتراكي مدرسةً للنضال الديمقراطي وضمير اليسار المغربي.
أما اليوم، فقد تحوّل إلى كيانٍ يقتات على رمزيته القديمة أكثر مما ينتج واقعاً سياسياً جديداً.
وبين قاعةٍ تصفق وقياداتٍ تُمدَّد، يطرح المؤتمر سؤالاً أعمق من الأشخاص واللوائح: هل ما زال الاتحاد الاشتراكي قادراً على استعادة روحه النقدية، أم أنه استسلم لمنطق الزعامة الدائمة؟
ربما لا يملك الحزب اليوم ترف الإجابة، لكنه يملك ما يكفي من التاريخ ليعرف أن التمديد، حين يتحوّل إلى عادة، يجعل الزعيم مؤسسةً، والمؤسسة ظلّاً لزعيمٍ لا يتغيّر.
