قالت وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، فاطمة الزهراء المنصوري، اليوم الاثنين داخل مجلس النواب، جملة بدت للوهلة الأولى جريئة: “أنا لا يهمني لمن سيصوّت المواطن، بل أين يسكن.”
جملة تمنح الانطباع بأن الأولوية أصبحت اجتماعية لا انتخابية، وأن الحكومة تضع الحق في السكن فوق الحسابات السياسية.
لكن خلف هذه الجرأة، يختبئ ملف ثقيل يحمل رقماً لا يمكن تجاوزه: أكثر من 400 ألف أسرة تعيش في مدن الصفيح سنة 2025، بعدما كان العدد 270 ألف أسرة فقط سنة 2004.
المنصوري أكدت أن الحكومة رفعت وتيرة التدخل، وحسّنت ظروف سكن أكثر من 70 ألف أسرة، وانتقلت من 6000 مستفيد سنوياً إلى ما يقارب 18 ألف خلال السنوات الأخيرة.
أرقام تبدو مريحة من بعيد، لكنها لا تجيب عن السؤال الذي بقي معلّقاً داخل البرلمان اليوم: كيف تضاعف عدد أسر الصفيح خلال برنامج وُضع ليقضي عليها؟ وكيف تحوّل مشروع “مدن بدون صفيح” إلى تجربة بأرقام أكبر مما بدأ به؟
الواقع أن مدن الصفيح لم تكبر صدفة، بل بنت نفسها على تاريخ هشّ: توسع حضري بلا ضبط، مواسم انتخابية تُصنع فيها التحالفات على أطراف المدن، سنوات من التغاضي وغضّ الطرف، ومراقبة لا تتحرك إلا بعد أن يتحرك العشوائي أكثر.
لذلك فالإشكال ماشي فقط في “ديناميكية” الظاهرة كما قالت الوزيرة، بل في بنية كاملة كانت تتمدد بينما السياسات العمومية تتردد.
داخل مجلس النواب، قدّمت المنصوري الأرقام كدليل على نجاح المقاربة الجديدة التي تشرك القطاع الخاص.
لكن الأرقام نفسها تتكلم:
إذا ارتفع عدد الأسر من 270 ألف إلى 400 ألف، فهذا يعني ببساطة أن البرامج تحركت ببطء أكبر من سرعة تمدد الهشاشة.
وفي ملف زلزال الحوز، شددت الوزيرة على أن العملية تمت “بحكمة كبيرة”، وقدّمت رقم 53 ألف منزل أعيد بناؤه.
لكنها اعترفت في المقابل بأن حوالي 4000 شخص ما يزالون يعيشون في مناطق خطرة.
هذا الاعتراف وحده يكشف أن الأرقام لا تغلق الملفات، وأن الواقع في الدواوير ما زال يروي قصصاً لا تظهر كلها في الجلسات الشفوية.
في النهاية، جملة “أنا لا يهمني لمن سيصوّت المواطن” قد تبدو قوية وواقعية، لكنها لا تكفي لتغيير حقيقة راسخة: مدن الصفيح ليست ملفاً يُحلّ بخطابات الاثنين، ولا رقماً يُلمَّع في البرلمان.
إنها مرآة لسنوات طويلة من الهشاشة الحضرية، وبرنامج بدأ سنة 2004 وما زال يُثبت إلى اليوم أن المعالجة التقنية بلا معالجة سياسية لا تُنهي الظاهرة… بل تضاعفها.
