جواب وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح، على سؤال كتابي تقدم به المستشاران البرلمانيان لبنى علوي وخالد السطي عن فريق الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، أزاح الستار عن ملامح التوجه الاستثماري للصندوق المغربي للتقاعد، ذاك الكيان الذي يُفترض أن يكون خزان أمان للمغاربة في شيخوختهم، وضامنًا للحد الأدنى من الكرامة بعد سنوات من العطاء.
المعطيات الرسمية تؤكد أن الصندوق لا يقتصر على تدبير المعاشات المدنية والعسكرية، بل يشرف أيضًا على نظام تكميلي اختياري يستند إلى مبدأ الرسملة، ما يجعله لاعبًا ثقيل الوزن في سوق الاستثمار العمومي، ومديرًا لمحفظة احتياطية تتجاوز قيمتها 70 مليار درهم عند التداول، وقرابة 59 مليار درهم محاسبيًا، حسب حصيلة نهاية 2024.
هذا الفارق في التقييم، والذي يناهز 11 مليار درهم، يُعبّر عن قيمة غير محققة، لكنه أيضًا يسلّط الضوء على الفجوة بين ما هو مُدرج في الدفاتر وما هو قابل للتسييل، وهي فجوة تستحق نقاشًا عميقًا حول النجاعة الحقيقية لإدارة الأصول العمومية.
الاستثمار العقاري، ورغم طابعه الثانوي من حيث النسبة (1.15% من إجمالي الأصول)، يشكّل مجالًا ذا رمزية عالية، لكونه يتم عبر هيئات التوظيف الجماعي العقاري (OPCI)، التي تُدار من طرف ست شركات مرخصة، وتستفيد من عقود إيجار طويلة الأمد مع الدولة. وقد ضخّ الصندوق، ما بين 2019 و2024، أكثر من 11 مليار درهم في هذا النوع من الاستثمارات، موزعة على سبع هيئات.
التركيز اللافت على محور الرباط – الدار البيضاء، كما جاء في جواب الوزيرة، يطرح تساؤلات جوهرية حول منطق توجيه هذه الأموال: هل يخدم هذا الخيار رؤية متوازنة لتنمية المجال الوطني؟ أم أن الصندوق، على غرار باقي مؤسسات الدولة، يعيد اجترار المركزية المالية والاستثمارية، ولو على حساب العدالة الترابية؟
الحديث عن استثمارات في قطاعات الصحة والتعليم والعدل، وعلى رأسها كليات الطب والمستشفيات الجامعية، يبدو مطمئنًا في الشكل، لكنه لا يُخفي طابعه الانتقائي في التوزيع، حيث تظل الجهات الداخلية، والهامش المغربي، خارج نطاق الضوء والتمويل.
إدارة هذه الهيئات من طرف شركات متخصصة قد تعزّز السيولة وتزيد من المردودية، كما تقول الوزارة، لكنها أيضًا تفتح الباب أمام منطق السوق البحت، في مؤسسة ذات طابع اجتماعي صرف. هنا يبرز السؤال الحقيقي: هل تُدار صناديق معاشات المواطنين بمنطق الضمان الاجتماعي؟ أم تُزاح تدريجيًا نحو منطق الربحية ولو على حساب فلسفتها الأصلية؟
وسط كل هذا، تظل معادلة التوازن صعبة: بين تدبير احترازي يضمن ديمومة المعاشات، واستثمار ذكي يُسهم في تنمية الوطن لا فقط في تنمية الأرباح المحاسبية.
وحدها الشفافية الكاملة في اختيارات التوظيف، وربط المسؤولية بالمردودية الاجتماعية، يمكن أن يعيدا الثقة إلى مؤسسة يُعوّل عليها الآلاف في خريف أعمارهم… والذين لا يملكون ترف النظر إلى السوق العقارية من نافذة الأبراج الزجاجية في الرباط والدار البيضاء.