في مغرب الأرقام المتقدمة والنجاحات التصديرية، ارتفع نجم الهليون المغربي في السوق الدولية، محققًا رقمًا قياسيًا جديدًا للموسم الرابع على التوالي. فقد صدّر المغرب، بين يوليوز 2024 وماي 2025، ما مجموعه 968 طناً من الهليون نحو تسعة بلدان، على رأسها بلجيكا، إسبانيا، الإمارات، كندا وتركيا، بإيرادات بلغت 6.6 مليون دولار، أي بزيادة قدرها 47% مقارنة بالموسم السابق.
هذا الرقم ليس عابرًا في خانة الصادرات الفلاحية، بل يُعبّر عن تحوّلٍ استراتيجي يجعل من بعض المحاصيل – مثل الهليون، التوت الأزرق، الأفوكادو – أدوات دبلوماسية ناعمة لتعزيز موقع المغرب في سلاسل التوريد الغذائية العالمية.
لكن، خلف هذه الأرقام المُبهرة، ثمة فجوة هيكلية لا تظهر في تقارير التصدير: الفلاح القاعدي، ذلك الذي يشكل عماد العالم القروي، لا يربح من هذه الطفرة إلا الفتات… إن لم نقل لا شيء.
يُعتبر الهليون من الخضروات الفاخرة، الموجّهة أساسًا إلى مطاعم الأسواق الراقية، ويتطلب إنتاجه:
استثمارًا أوليًا مرتفعًا.
تحكمًا في تقنيات الزراعة الدقيقة.
احترامًا صارمًا لشروط التبريد والتعليب والنقل.
وهذه المتطلبات، في واقع الفلاحة المغربية، لا يستطيع تلبيتها سوى ضيعات رأسمالية كبرى، أو شركات تعاقدية مملوكة لفاعلين كبار، يمتلكون رأس المال، والعلاقات، وخطوط التصدير.
بينما الفلاح الصغير، المحروم من التمويل البنكي والدعم المؤسسي الحقيقي، يجد نفسه مُبعدًا من هذا السوق الناشئ، ومُحاصرًا في هامش من الهشاشة، لا تسمح له سوى بزراعة البصل والبطاطس والشعير… بأثمنة لا تساوي تكلفة البذر.
تُظهر تقارير غير رسمية أن مساحة الأراضي الصغيرة تقلصت خلال العقد الأخير، بفعل:
الضغط العقاري في الضواحي.
اقتناء الشركات لأراضٍ صغيرة مجزّأة، وتجميعها لأغراض التصدير.
هجرة الفلاحين الصغار إلى المدن بسبب الجفاف وتدهور المردودية.
فبينما تنمو الصادرات، تتآكل الحيازات الصغيرة، ويتحول الفلاح الصغير إلى عامل موسمي في ضيعة لم يعد يملكها، أو إلى مهاجر داخلي يبيع قوته مقابل “سميگ فلاحي”.
تُسوّق الدولة هذا النوع من النجاحات كدليل على نجاعة المخططات الفلاحية. غير أن القراءة الدقيقة تُظهر أن الفلاحة التصديرية أصبحت مرتبطة برأسمال كبير ومركّز، يختزل التنمية في منطق السوق، لا في العدالة الترابية.
والنتيجة أن:
العملة الصعبة تمر عبر الفلاح، ولا تقف عنده.
من يزرع الهليون لا يقطفه… ومن يقطفه لا يأكل من ثمنه.
حين ترتفع أرقام التصدير، وتتقلص مساحات الفلاحة العائلية، وتزداد هشاشة الفلاح القاعدي… فإن ما يحدث ليس نجاحًا شاملًا، بل نجاحًا انتقائيًا، لا يستفيد منه إلا من يملك المفاتيح: الأرض، رأس المال، والعلاقات.
وهكذا، يصبح الهليون المغربي رمزًا لنجاح مغشوش، يُحصد على الورق، لكنه لا يُترجم عدالة على الأرض.
حين تنمو الصادرات وتتقلص الحيازات… اقرأ السلام على الفلاحة القاعدية.