أعلنت الشركة المغربية للهندسة السياحية عن تخصيص حوالي 14 مليار و700 مليون سنتيم لتمويل برنامج “الزبون السري” لتقييم جودة مؤسسات الإيواء.
الفكرة في ظاهرها تبدو متقدمة: موظفون ينتحلون صفة نزلاء، يعيشون التجربة كاملة ثم يكتبون تقارير دقيقة عن مستوى الخدمات. لكن خلف هذه الفكرة التسويقية تختبئ أسئلة صادمة تتعلق بالشفافية والحكامة واستعمال المال العمومي.
كشفت مصادر إعلامية أن برلمانية عن حزب العدالة والتنمية وضعت الوزيرة في مرمى السؤال: ما جدوى صرف هذا الرقم الضخم في وقت يئن فيه القطاع السياحي تحت اختلالات عميقة؟
من البنية التحتية المهترئة في وجه السياحة الداخلية، إلى ضعف التكوين وغياب استراتيجيات ترويج مبتكرة، كان الأجدر بالحكومة أن توجه الموارد نحو إصلاحات هيكلية بدل تغطية الواقع بعمليات تجميلية.
الصفقة كما عُرضت تثير أكثر من علامة استفهام: من هي الجهة التي فازت بها؟ هل تم إعداد دفتر تحملات مفتوح وشفاف أم أن الأمر دُبر في الظلام؟ وكيف تم احتساب الغلاف المالي الذي تجاوز 14 مليار سنتيم، أي ما يعادل ميزانية مشاريع اجتماعية كبرى في مجالات الصحة والتعليم؟
الأسئلة كثيرة، لكن الوزيرة لم تُقدّم للرأي العام أي معطيات واضحة.
الأدهى من ذلك أن الوزيرة التي لا تكفّ عن نشر منشورات يومية عبر صفحتها الرسمية للترويج لما تعتبره “إنجازات كبرى”، كان حريًّا بها أن تستعمل نفس الحماسة لتشرح للمواطن تفاصيل هذه الصفقة: من صادق عليها، ما هي المراحل التي ستمر بها، ومن هي الجهة التي ستستفيد منها.
الفصل 27 من دستور المملكة المغربية صريح: للمواطنات والمواطنين حق الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارات العمومية والمؤسسات المنتخبة والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام.
وهذا النص لم يوضع للزينة أو للاستهلاك السياسي، بل لضمان الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة.
وبما أن المواطن هو الممول الأول لهذه المبالغ الضخمة من جيبه وضرائبه، فإن من واجبه أن يعرف كل تفاصيل الصفقة: من وافق؟ من استفاد؟ وما الأثر الفعلي الذي ستتركه العملية؟
إن إخفاء هذه التفاصيل يتعارض مع روح الدستور، ويحوّل شعارات الإصلاح إلى مجرد واجهة إعلامية.
التحليل البسيط يوضح أن مثل هذه البرامج، حتى وإن حسّنت بعض التفاصيل الشكلية، تبقى عاجزة عن حل مشاكل السياحة في العمق.
السياحة المغربية تحتاج إلى رؤية بعيدة المدى، إلى استثمار في الرأسمال البشري، إلى إنصاف السياحة الداخلية التي تبقى الحلقة الأضعف، وإلى ربط جدي بين السياحة والتنمية المحلية.
أما الرهان على “زبون سري” فلن يغير شيئًا من حقيقة أن الزبون الحقيقي المغربي البسيط مازال يجد صعوبة في قضاء عطلة بكرامة داخل بلده.
بهذا المعنى، يتحول “الزبون السري” من أداة تقييم إلى غطاء سياسي لتبديد المال العمومي في قنوات غير شفافة.
والوزيرة، بدل أن تواجه جوهر الأزمة، اختارت أن تختبئ وراء لعبة تمويهية، تاركة الرأي العام أمام صورة ضبابية: أموال طائلة بلا أثر ملموس، وإصلاحات مؤجلة لحسابات أخرى.
إنها ليست مجرد تجربة إقامة في فندق، بل إقامة طويلة الأمد للمال العمومي في غرف مغلقة.
والمواطن، وهو الذي يدفع الفاتورة، لا يطلب خدمة خمس نجوم بل وضوحًا بخمس دقائق، وفق ما يضمنه له الدستور قبل أي برنامج تسويقي.