أكّدت وزيرة المالية نادية فتاح العلوي، في معرض جوابها على سؤال برلماني المستشار خالد السطي عن الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، أنّ الحكومة خصّصت أكثر من نصف ميزانية الدولة للقطاعات الاجتماعية والسياسات العمومية الموجّهة لمحاربة الفقر والإدماج الاجتماعي.
أرقامٌ تتناثر كالأحجار الكريمة: مليارات دراهم، آلاف المشاريع، ملايين المستفيدين، وورشات تمتد من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية إلى برامج الدعم الاجتماعي المباشر.
غير أنّ بريق الأرقام سرعان ما يصطدم بواقعٍ رمادي: مستشفيات تئنّ تحت وطأة الخصاص، دخول مدرسي مرتبك، وأسعار ملتهبة تجعل جيب المواطن أضعف من كل تلك “المليارات”.
فحسب الحصيلة الرسمية، جرى إنجاز 1.576 مشروعاً لتدارك الخصاص في البنيات التحتية، وبرمجة أزيد من 4.000 مشروع لمواكبة الأشخاص في وضعية هشاشة، إلى جانب 15.090 مشروعاً لتحسين دخل الشباب بكلفة قاربت 3,67 مليار درهم. كما تم تشغيل 6.800 وحدة للتعليم الأولي، وتخصيص 1,2 مليار درهم للدعم الاجتماعي للتمدرس، علاوة على المبادرة الملكية “مليون محفظة” التي غطت 4,4 مليون تلميذ.
لكن رغم كل هذه الأرقام، يبقى السؤال معلقاً: أين يلمس المواطن هذا التحسن؟ التعليم الأولي في القرى ما يزال هشّاً، النقل المدرسي غير كافٍ، والمراكز الصحية تعاني خصاصاً فاضحاً.
وفي ملف الحماية الاجتماعية، تقول الحكومة إنها رفعت عدد المستفيدين من التغطية الصحية إلى أكثر من 30 مليون شخص بميزانية فاقت 15 مليار درهم سنوياً، غير أنّ المرضى ما زالوا يشتكون من مواعيد مؤجلة وأدوية مفقودة وأقسام مكتظة.
أما دعم القدرة الشرائية، فقد تحدثت الوزيرة عن 88 مليار درهم رُصدت لغاز البوتان والسكر والدقيق خلال الفترة 2022-2024، ومع ذلك تواصل الأسعار ارتفاعها، فيما السوق يعكس واقعاً مغايراً لبلاغات الاستقرار.
والحال نفسه في القرى: الحكومة تعلن إنفاق 45 مليار درهم لتقليص الفوارق المجالية، وتشيد آلاف الكيلومترات من الطرق وشبكات الماء والكهرباء، بينما ما زالت مسيرات “العطش” تخرج، والمدارس القروية تعاني الاكتظاظ.
الخلاصة أنّ خطاب الإنجازات يظلّ وردياً، لكن المواطن لا يرى سوى لوحة مليئة بالتناقضات: ميزانيات ضخمة، برامج متتالية، وواقع يومي يطرح السؤال نفسه… من المستفيد حقاً؟
