53 نقطة من الثقة، و95٪ من الغلاء… والباقي “حياتنا غير مؤشَّرة في المذكرة.”
مرة أخرى، المندوبية السامية للتخطيط تفتح دفتر الأرقام لتُخبرنا بما نعرفه سلفًا، لكن بلغةٍ أكثر تهذيبًا:
ثقة الأسر المغربية تراجعت إلى 53,6 نقطة خلال الفصل الثالث من سنة 2025، بعدما كانت 54,6 نقطة في الفصل السابق.
أرقام دقيقة ومنسقة بعناية، لكنها تُخفي خلفها قصة مجتمعٍ يعيش على إيقاع التراجع، وحكومةٍ تواصل طمأنة نفسها بشعار “قيد الإنجاز”.
فخلف هذا المؤشر البارد، تختبئ حياةٌ يومية مشتعلة بالتحديات.
77,9% من الأسر تعتقد أن مستوى معيشتها تدهور خلال السنة الأخيرة، وأقل من 5% فقط تقول إنها أحسّت بتحسنٍ ما… ربما لأنهم من القلة التي تشتغل داخل المكاتب المكيفة حيث تُكتب هذه التقارير.
أما البقية، فبين الاستدانة واستنزاف ما تبقى من مدخراتها، تعيش على إيقاعٍ واحدٍ يُختصر في جملةٍ شعبية: “النهار نكريدي، والليل نحسب المصاريف.”
في مغرب الألفية الثالثة، أصبح التشاؤم سلعةً متوفرة أكثر من الخبز.
70% من الأسر تتوقع ارتفاع البطالة، و69% ترى أن شراء سلعةٍ مستديمة أصبح حلمًا مؤجلًا إلى إشعارٍ حكوميٍّ آخر.
حتى الأمل صار يحتاج إلى دعمٍ اجتماعي، بعدما تحوّل الاقتصاد إلى لعبة أرقام لا تُشبه الواقع إلا في خانة النسبة المئوية.
أما الأسعار، فقصتها معروفة للجميع إلا في التقارير الرسمية:
95,7% من الأسر تقول إن الأسعار ارتفعت، وواحد في المائة فقط يرى العكس — ربما صاحب دكانٍ في كوكبٍ آخر لم تصله موجة الغلاء بعد.
هذا الرقم وحده كافٍ لشرح ما لا تقدر عليه خطب المسؤولين ولا بلاغات التفاؤل الموسمية.
ورغم كل ذلك، تختم المندوبية مذكرتها بجملةٍ لافتة: “تحسّن طفيف في بعض المؤشرات.”
تحسّن طفيف؟
كأنك تقول لمريضٍ في غرفة الإنعاش: “نبضك تحسّن نصف ثانية، فابتسم.”
إنها المفارقة المغربية في أجمل تجلياتها: بلدٌ يُبدع في تجميل الألم بالأرقام، ويحوّل الخيبة إلى مؤشرٍ اقتصادي.
فالأزمة لا تُقاس بعدد الفقراء، بل بنسبة التفاؤل التي ما زالت تتراجع، والعدالة الاجتماعية لا تُختبر في البلاغات الحكومية، بل في قدرة المواطن على العيش دون أن يحسب كل درهم مرتين.
في النهاية، المندوبية تُحصي الألم، والحكومة تُداري العجز، والمواطن يواصل العدّ على أصابعه ما تبقى من القدرة على الاحتمال.
أما المستقبل، فسيظلّ حبيس خانةٍ رمادية في مذكرة جديدة… تُصدرها مؤسسةٌ أخرى، بنفس الأناقة، وبنفس البرود.
