165 Votes for Approval… 350 Amendments Vanish
لم تكن الجلسة العامة التي صوّت فيها مجلس النواب على قانون مالية 2026 لحظة عادية في مسار التشريع، بل بدت أقرب إلى تمرين رقمي محسوم مسبقاً.
فما إن انطلقت عملية التصويت حتى اتّضح أن المشروع سيمرّ بسهولة، بفضل أغلبية جاهزة ومتناغمة، تتعامل مع الميزانية كما لو كانت بنداً تقنياً لا يحتاج إلى نقاش مطوّل.
165 نائباً رفعوا أيديهم بالموافقة، مقابل 55 اختاروا التصويت بالرفض.
لكن خلف هذه الصورة الحسابية البسيطة، تختفي تفاصيل أكثر عمقاً حول كيفية تعاطي المؤسسة التشريعية مع واحد من أهم القوانين خلال السنة.
فاللجنة المختصة توصّلت خلال المسار التشريعي بما مجموعه 350 تعديلاً، تقدّم بها مختلف الفاعلين السياسيين داخل المجلس.
وكل تعديل من هذه التعديلات كان يُفترض أن يعكس رؤية، أو يطرح سؤالاً، أو يصوّب خللاً، أو يحاول ترك بصمة داخل ميزانية سنة كاملة.
ومع ذلك، لم يُكتب للغالبية الساحقة من هذه الاقتراحات أن ترى النور، إذ لم يُقبل منها سوى 30 تعديلاً فقط.
توزيع هذه التعديلات يكشف صورة دقيقة للخريطة السياسية داخل البرلمان:
الحكومة مرّرت تعديلين فقط، في خطوة تُفهم غالباً باعتبارهما إجراءين تقنيين لا يمسّان جوهر المشروع.
أغلبية التحالف الحكومي تبنّت 23 تعديلاً، أي أقل من عُشر ما قُدّم.
أما المعارضة، التي اجتهدت في تقديم عشرات المقترحات العدالة والتنمية بـ117، الحركة الشعبية بـ46، التقدم والاشتراكية بـ37، الفريق الاشتراكي بـ73، والنائبة فاطمة التامني بـ30 فقد خرجت تقريباً دون أثر تشريعي فعلي.
هذا التفاوت لا يعود فقط إلى التوازنات الرقمية داخل المجلس، بل يعكس أيضاً بنية النقاش السياسي نفسه، الذي بات في كثير من الأحيان محصوراً في منطق الأغلبية العددية، أكثر من كونه ساحةً للحوار وتبادل الرؤى.
مرور قانون المالية بهذا الشكل يطرح سؤالاً مشروعاً لدى المتابعين:
هل نعيش فعلاً نقاشاً برلمانياً يُفترض أن يرافق وثيقة تحدّد أولويات الدولة وخياراتها الاجتماعية والاقتصادية؟
أم أن التصويت الرقمي بات، وحده، كافياً لإغلاق النقاش وتمرير النصوص؟
الأكيد أن قانون مالية 2026 تم اعتماده، لكن النقاش العميق الذي يليق بحجمه وبتأثيره على حياة المواطنين، ما زال يحتاج إلى مساحة أوسع، وإلى مقاربات تتجاوز المنطق التقني البحت، نحو رؤية سياسية تُشارك فيها مختلف الأصوات، أغلبيةً كانت أم معارضة.
