Shafik El-Hajri Case: Between Legal Reasoning and the Signals of Political Timing
لم يكن توقيف الناشط شفيق الهجري، صباح الثلاثاء، مجرد إجراء تقني لتنفيذ حكم قديم أعادت محكمة النقض تأكيده، بقدر ما بدا واقعة تتقاطع فيها المسطرة القضائية مع أسئلة أوسع حول علاقة الدولة بالتعبير الرقمي والاحتجاجات الشبابية.
فمن الناحية القانونية الصرفة، يدخل التوقيف في إطار تنفيذ حكم نهائي اكتسب قوة الشيء المقضي به، مما يخول للنيابة العامة الشروع في التنفيذ فوراً وبلا مساطر إضافية، وفقاً للقواعد الإجرائية المنظمة للأحكام الزجرية.
غير أن الجانب القانوني، وإن كان يشكل الإطار الشكلي للقضية، لا يلغي ما يحمله الملف من أبعاد رمزية.
فالوقائع تعود إلى سنة 2020، حين بُثّ تسجيل مباشر على مواقع التواصل الاجتماعي خلال خلاف عابر بين الهجري وأحد عناصر الأمن.
ورغم أن التسجيل ما يزال منشوراً ولا يتضمن وفق دفاعه عبارات مسيئة صريحة، فقد اعتُبر أساس المتابعة بجنحة “إهانة هيئة منظمة”، وهي جنحة يرد نصّها في القانون الجنائي دون تحديد دقيق لركن الإهانة أو عناصرها، مما يترك هامشاً واسعاً للتقدير القضائي.
هذا الهامش هو ما أفرز التباين بين درجتي التقاضي: فالمحكمة الابتدائية قضت بالبراءة معتبرةً أن عناصر الجنحة غير قائمة، بينما أعادت محكمة الاستئناف تكييف الواقعة واعتبرت أن التسجيل يدخل في نطاق الإهانة حتى دون ألفاظ مباشرة، مستندةً إلى قراءة موسعة للسياق وطبيعة التفاعل.
وهو تباين يكشف مرونة النص المطبق واتساع السلطة التقديرية للقاضي في تقييم السلوك اللفظي أو الرقمي.
وفي هذا المستوى، يطرح الملف سؤالاً قانونياً مركزياً حول مدى انسجام النص الجنائي مع مبدأ الشرعية الذي يقتضي تفسير النصوص الزجرية تفسيراً ضيقاً.
فغياب تعريف تشريعي واضح لمفهوم الإهانة، وتطبيق النص على وقائع رقمية، يثيران إشكالات حقيقية تتعلق بحدود التجريم في عصر أصبحت فيه طرق التعبير أكثر مباشرة وتفاعلية، وتجاوزت الأطر التقليدية للخطاب اللفظي.
لكن القضية لم تتوقف عند هذا النقاش القانوني.
فتنفيذ الحكم اليوم، وبعد مرور أربع سنوات على الواقعة، يتزامن مع مرحلة أعادت فيها احتجاجات “جيل زد” سؤال حرية التعبير الرقمي إلى الواجهة.
وهنا يرى مراقبون أن استدعاء الملف في هذا التوقيت يعكس حساسية أعلى تجاه الخطاب الشبابي على المنصّات، ويعيد طرح العلاقة بين القانون والتكنولوجيا، وبين الدولة والجيل الجديد.
هكذا يصبح الملف، من زاويتَيه القانونية والسياسية، أكثر من مجرد واقعة فردية.
فهو يسلّط الضوء على ثلاث قضايا مركزية: أولها صحة الإجراءات من حيث تنفيذ حكم نهائي؛ وثانيها اتساع التأويل في تكييف جنحة الإهانة؛ وثالثها الحاجة إلى مراجعة تشريعية دقيقة تعيد ضبط المفاهيم الجنائية بما ينسجم مع توسّع فضاء التعبير الرقمي.
وبين ثنايا هذه الأسئلة يظهر جوهر اللحظة:
هل يُحاكَم شفيق الهجري بمقتضى نص جنائي غامض… أم بظلّ سياق اجتماعي وسياسي يتغيّر بسرعة؟
