على بعد أسابيع من الدخول المدرسي، خرج وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، محمد برادة، ليعلن ـ ببرودة إدارية تُغلفها لغة القانون ـ أن الحكومة لا تتدخل في تحديد أسعار التعليم الخصوصي، لأن “الإطار القانوني لا يخول لها ذلك”.
الوزير لم يتردد في إحالة الآباء على منطق السوق: المدرسة سلعة، والثمن يقرره العرض والطلب. أما من لا يملك “القدرة الشرائية التربوية”، فله أن يحلم فقط بمقعد في مدرسة عمومية ما تزال تحاول استعادة ثقة ضائعة.
في مراسلة رسمية ردًّا على سؤال النائب رشيد حموني، قال برادة إن الرسوم التي تؤديها الأسر في المؤسسات الخاصة، بما فيها التسجيل، التأمين، النقل، الحراسة، وحتى “الأنشطة الترفيهية”، كلها تخضع للحرية التعاقدية بين الأسر والمؤسسات، وأن الوزارة ليست جهة تسعير.
لكن خلف هذا التبرير القانوني، تبرز حقيقة مُرّة: الحكومة تخلّت عن مسؤولية تقنين قطاع حساس، وتركت الأسر تواجه مقاولات تعليمية تجيد تسويق الجودة وتفصيل الفواتير على المقاس.
وفي وقت ترتفع فيه أصوات الأسر المكلومة بسبب الغلاء غير المُبرر، تؤكد الوزارة أن لجان المراقبة تسهر فقط على التحقق من الشفافية في الإعلانات والتصريحات. أما الأسعار؟ فخارج التغطية الحكومية.
الوزير حاول امتصاص الغضب بالإشارة إلى مشروع قانون جديد (59.21) قيد الدراسة، يهدف إلى تأطير القطاع. كما وعد بتجويد المدرسة العمومية لاستعادة الثقة. لكن ما لم يُقل هو أن هذا التجويد يأتي بعد سنوات من التفكيك، وكأن الحكومة الآن بصدد ترقيع ما ساهمت هي نفسها في تهالكه.
في بلدٍ صار التعليم الخصوصي فيه ملاذًا إجباريًّا للطبقة المتوسطة، أصبح السؤال الحقيقي: هل تخلّت الحكومة عن المدرسة العمومية عن قصد… أم فقط لأنها لم تعد ضمن أولوياتها؟
وهكذا، لا يبقى للأسر سوى الاختيار بين الغلاء أو الاكتظاظ، بين مدرسة تُجيد الفوترة ومدرسة تُجيد الوعود… والحكومة، كعادتها، تكتفي بالمراقبة عن بعد.